وليد الزامل

التطوع وإدارة جودة الحياة في المدن

السبت - 06 أبريل 2024

Sat - 06 Apr 2024


يمكن وصف التطوع بأنه جهد جمعي نابع من المجتمع أو الأفراد بإرادة داخلية وإدارة مجتمعية ضمن إطار حوكمة نلتمس أثرها في تقديم العون بلا مقابل وبلا تحيز لتعكس رغبة حقيقية من المجتمع في تحقيق النماء والازدهار.

إن نتائج العمل التطوعي تترجم رغبة الأفراد في اكتساب المهارات الجديدة، ومشاركة الآخرين، وتعزيز الانتماء للمكان.

لقد أكدت الرؤية الوطنية 2030 على أهمية المسؤولية المجتمعية وإعادة توجيه وهيكلة الدعم الحكومي للبرامج التي تخدم المجتمع وتعمل على بناء ثقافة العمل التطوعي وصولا لرفع عدد المتطوعين في المملكة العربية السعودية لأكثر من مليون متطوع في نهاية عام 2030.

ويبدو أن هذا العدد ليس ببعيد؛ بل سوف يتضاعف قبل حلول عام 2030، حيث تشير تقديرات وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية أن عدد الأفراد المسجلين في المنصة الوطنية للعمل التطوعي أكثر من مليون و800 ألف متطوع.

في حين بلغ عدد العاملين في المجال التطوعي خلال 2023 أكثر من 843 ألف متطوع.
تعد المنصة الوطنية للعمل التطوعي بمثابة الحاضنة التي تربط الفرص التطوعية بالمتطوعين وتوثق الجهود التطوعية للأفراد.

وفي المقابل، يظل العمل التطوعي مرهون باجتهادات فردية أو مرتبط في مواسم محددة مثل شهر رمضان أو مواسم الحج وهو ما يؤثر على مبدأ استدامة العمل التطوعي. لذلك، من الأهمية بمكان أن ينعكس الجهد التطوعي على ازدهار المدن باعتبارها الكيان الجامع الذي يعزز انتماء السكان للمكان.

إن تفعيل العمل التطوعي في المدن يأتي كنتيجة حتمية لتطور نظام الشراكة المجتمعية وخاصة في الأحياء السكنية.

ومع ذلك، تظل معظم أحياؤنا السكنية معزولة عن إطارها المجتمعي فهي مجرد كيانات مادية لاستيعاب الأسر تتكون من وحدات سكنية وخدمات ومرافق عامة.

يعيش السكان في هذه الأحياء السكنية دون وجود ارتباط حقيقي بالمكان أو استشعار بمسؤولية الحفاظ على البيئة المحيطة.

وتبدو مظاهر ذلك واضحة للعيان كترك النفايات في الحدائق العامة، واصطحاب الحيوانات في المنتزهات العامة، ورمي مخلفات البناء في الأراضي الفضاء، والاستماع الى الموسيقى الصاخبة أو الضحك بصوت عال في الأماكن العامة دون مراعاة مشاعر الآخرين.

كل ذلك يعكس مؤشر منخفض لمستويات الوعي البيئي والذوق العام لدى البعض.

في الواقع، لا يمكن ضمان نجاح العمل التطوعي في ظل مجتمعات سكنية لا يوجد بينها رابط أو انتماء حقيقي للمكان. وأرى أن تفعيل العمل التطوعي في المدن يبدأ من الأحياء السكنية بتأسيس مجموعات تطوعية نابعة من مجالس تمثل مجتمع الحي السكني وينعكس نطاق تأثيرها على المدينة.

تضع هذه المجموعات التطوعية خطة واضحة للمهام والأعمال التي يمكن القيام بها بشكل تطوعي بما في ذلك الاهتمام بنظافة الحي السكني، والتشجير، ومعالجة التشوهات البصرية.

لا يقتصر العمل التطوعي على الممارسات المادية كتنظيف حدائق الأحياء السكنية، ودورات المياه العامة، وزراعة الأشجار فحسب؛ بل يمكن مشاركة الخبراء في الأعمال التطوعية التي تطلب المسوحات الميدانية، والتقييم والمتابعة والمشاركة في الدراسات والبحوث الميدانية ورفع مستوى الوعي المجتمعي.

باختصار، التطوع في المجال العمراني لا يقتصر على المشاركة المادية في تحسين البيئة العمرانية؛ بل المشاركة في تطوير خطة استراتيجية تضع العمل التطوعي ضمن مرتكزاتها وصولا للارتقاء بجودة الحياة في المدن بأبعادها الاقتصادية، والاجتماعية، والعمرانية.


waleed_zm@