زيد الفضيل

متى يأتي يوم الأحد؟

السبت - 06 أبريل 2024

Sat - 06 Apr 2024


في كل أسبوع أنتظر الأحد باشتياق، فقد بات أول أيام الأسبوع، وهو يوم نشر مقالي على هذه الصحيفة، فأطالعه ببهجة وسرور وكأنه أول مقال ينشر لي، فالمقالة بالنسبة لي مولود تم تجهيز ولادته بروية واقتدار، ولذلك أحتفي به احتفائي بالمولود الأول بشكل دائم.

على أني هذه المرة مشتاق ليوم الأحد وأرجو بلوغه بفارغ الصبر وبشق الأنفس، لسبب آخر، ولسبب ليس له علاقة بما سبق.

في كل أسبوع تمر الأيام سريعا وتطوى طي الصحف، فلا أتنبه إلا وقد بلغنا الجمعة، وغالبا ما أكتب مقالي الأسبوعي في هذا اليوم، لكني في هذه المرة أعيش بطئا غير معهود في الوقت، حتى بات يوم الجمعة بعيدا، وصار الأحد أبعد، وأصبحت متشوقا لطي الساعات والأيام حتى أبلغ موعدي، وتكون ولادتي من جديد كما أنتظر وأتوق لذلك.

أجريت عملية في الأنف مطلع الأسبوع الفائت، وجرت بنجاح والحمد لله، غير أن من مقتضيات العملية أن يثبت الطبيب دعامات داخل الأنف لمدة أسبوع، وإلى هنا والأمر قد يبدو بسيطا، لكنه غير ذلك فعلا وواقعا، فتبعات العملية قد تكون أصعب من قبلها، وإن كانت بشكل مؤقت، إذ ما أصعب أن تعيش وفي جهازك التنفسي الرئيس دعامة مثبتة تحجب عنك التنفس بشكل طبيعي، وتمنع إزالة ترسبات السائل المخاطي المحتقن في الأنف لمدة أسبوع بأكمله، لكن يجب أن أصبر حتى موعد إزالة تلك الدعامة نهار الأحد، أرأيتم لماذا صرت متشوقا أكثر ليوم الأحد؟!
كم هو صعب جدا أن يعاني أحدنا من أمر قد يبدو سهلا وبسيطا؛ وكم هو ضعيف هذا الإنسان؟ فكيف يزهو بحاله ويتجبر! ما أضعفه وأقل حيلته! وما أصدق قول الخالق جل وعلا حين قال: {يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا}، وما أصدق ما روته لنا الكتب من أن الزاهد الرباني ابن السماك حين دخل على الخليفة هارون الرشيد، وكان قد استسقى ماء، فقال له ابن السماك: بالله يا أمير المؤمنين لو منعت هذه الشربة بكم تشتريها؟ قال: بملكي، قال: لو منعت خروجها، بكم كنت تشتريه؟ قال: بملكي، فقال: إن ملكا قيمته شربة ماء لجدير ألا ينافس عليه.

إنها رحمة الله النازلة علينا والتي لا نتنبه لها بشكل دائم، وتغيب عنا ونحن في معترك الحياة، ولا يتلقفها إلا من كان محفوفا بخلق كريم، فكان أن خفف الله عنه مصداقا لقوله تعالى {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا}، والضعف وفقا لقول العلامة الطاهر بن عاشور شامل لمختلف أحوال المرء النفسية، والبدنية، والعقلية، والعاطفية، والتركيبية.

في هذا السياق أشير إلى أن من سمات الخلق القويم أن يكون المرء لينا سهلا، ومن كان على ذلك حرمه الله على النار، مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من كان سهلا هينا لينا، حرمه الله على النار)، وفي رواية: (ألا أخبركم بمن يحرم على النار، وبمن تحرم عليه النار؟ على كل قريب هين سهل).

ومن صفات اللين السهل أن يكون مبتسما على الدوام، طلق الوجه حين يرى الآخر، فكيف حين يكون الآخر مريضا، واللين السهل المبتسم طبيبا، حقا سيكون من أولئك المشمولين بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث المعروف الذي منه: (تبسمك في وجه أخيك صدقة)، وكان ممن شملتهم وصية رسول الله لأتباعه بقوله لأبي ذر الغفاري رضي الله عنه: (لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق).

والحق أقول: ذلك ما رأيته واقعا في طبيبي المعالج الاستشاري نواف السلمي الذي ما رأيته إلا طلق الوجه، هينا لينا سهلا معي ومع كل مريض في عيادته، تجده قريبا غير بعيد، وهو أمر تكرر على مسمعي من عديد ممن تحدث معي، والناس شهود الله على الأرض.

أخيرا، كم هو عظيم أثر الطبيب نفسيا على المريض، فالكلمة الطيبة صدقة، والتحفيز الإيجابي شفاء، والتفاؤل علاج، واللمسة الحانية راحة، والإصغاء بحب لمعاناة المبتلى سبيل للخلاص من الوجع، وما أجمل الحضارة العربية المسلمة حين أنشأت أوقافا تهتم بالإنسان في كل حالاته، ومن ذلك إنشاء وقف يتكفل بتمويل عدد من المهرجين لإيناس المرضى والترفيه عنهم، كما تكفلت برعاية المرضى نفسيا عبر ما يعرف بوقف خداع المريض، وذلك بتوفير رجال صالحين يمرون بجوار المريض متحدثين بطريقة غير مباشرة عن عوامل التحسن الواضحة في صحته بحسب ما نما إلى علمهم. فطوبى لمن شفى مريضا، وأسعد مكروبا، وكل عام وأنتم بخير.



zash113@