عبدالحليم البراك

المجهولات في سيرة ابن رشد!

الثلاثاء - 02 أبريل 2024

Tue - 02 Apr 2024

ثمة ما يمكن أن يقال عنه إنه مجهولات في سيرة ابن رشد رحمه الله، فبرغم أن الكتابة والبحث في سيرته لم تتوقف سواء على المستوى العربي والإسلامي أو على مستوى العالمي ولأن ثمة نقاط بحث فيها الكثير ولم يجد فيها من اهتموا بتاريخه أو بسيرته الشخصية أي أجوبة، سواء أجوبة قطعية أو حتى الأجوبة الظنية لم يصل إليها علمهم والسبب في ذلك أن ابن رشده نفسه لم يسجل سيرته الذاتية، فلم يجعل رحمه الله سيرته الذاتية محورا أو مادة مهمة بقدر ما وضع من فلسفة أرسطو أو فلسفته هو، أما سبب عدم تسجيل سيرته الذاتية فليس صعبا عليك وأنت تتابع شخصيته رحمه الله أن تلمس تواضعه وانشغاله في العلم أكثر من انشغاله في نفسه وبرغم - أيضا - أن مسألة تسجيل السيرة الذاتية كأنت دأبا للعلماء والفلاسفة فهذا الإمام الغزالي رحمه الله يسجل سيرته الذاتية في كتاب (المنقذ من الضلال) وابن سينا هو الآخر وردت سيرته في كتاب «نكت في أحوال الشيخ الرئيس ابن سينا» ليحيى أحمد الكاشي تصور حياة الشيخ كما أملاها بنفسه على تلميذه الجوزجاني، وعدد بكر أبو زيد ما يزيد على 70 من القدماء ممن ترجموا لأنفسهم لم يكن ابن رشد منهم، و ابن رشد لم يفعل ذلك ولعلها سيرة الفقهاء والزهاد في ذلك العصر وما قبله وهذا جدير في ابن رشد، حتى المؤرخين وهم يكتبون عن ابن رشد وخاصة فيما يتعلق في سيرته الشخصية - وليس في جدليات العلم التي تناولها - لا يجدون إلا مادة تكاد تكون ضئيلة للغاية.

لعل أبرز المجهولات في حياة ابن رشد سبب غضب الخليفة عليه، لم يقطع أحد بسبب ذلك وتعددت التفسيرات ولكن أي منها لم يستند إلى إشارة حقيقة قاطعة بل كانت شذرات أخبار ما بين ما أوغر صدور الفقهاء عليه فلفقوا عليه التهم لأنه اشتغل في الفلسفة، وما بين عبارة صحفت في النسخ في أحد الكتب أشار فيها في انتقاص إلى الخليفة واصفا إياه بـ «ملك البربر!» بدلا من ملك البرين، أو أنه قال للخليفة «اسمع يا أخي» أو حادثة الريح التي اتهم فيها بإنكار الريح الصرر في القرآن وهو منها براء، بينما يذهب عبدالرحمن بدوي على أن الخليفة فعل ذلك لإرضاء العامة قبل خوض أي معركة حتى لا يخسر الناس، وشبه ذلك بما فعله الحاجب المنصور في إبان الدولة العامرية في الأندلس! ومهما يكن من أمر فلا أحد يعرف على وجه التحديد القاطع سبب هذه النكبة وخضعت لتفسيرات الباحثين في سيرة ابن رشد رحمه الله.

أما الأمر الآخر في حياة ابن رشد فبرغم أن معظم من ترجم له أشار إلى أنه لم يكن يعرف اللاتينية، لغة أرسطو، أغلبهم يتسندون إلى أن ابن رشد لم يكن مترجما لأرسطو بل شارحا له، ولا شك أن ابن رشد شكا وشكي له من أن ثمة فهما خاطئا لأرسطو فهل كان يعرف اللغة اللاتينية ليتحقق من مقصد المعلم الأكبر أم أنه قرأ أكثر من ترجمة لأرسطو حتى يصل إلى المعنى الحقيقي، كل هذه من مجهولات ابن رشد رحمه الله.

كما أننا يمكن أن نشير إلى كل من كتب في سيرة ابن رشد رحمه الله لم يشر بشكل صريح إلى شيوخ ابن رشد في الفلسفة وعمن استقى هذا العلم سوى عدد محدود لا يصل إلى مستوى المعلم له كابن باجة وابن الطفيل (ثمة إشكاليات هنا!) ولكن يبقى السؤال هل علم ابن رشد نفسه ولم يعلمه أحد وكان نديمه كتابه ووصل للمعنى وقام بشرحه من خلال دراسته بنفسه أم أن له معلمين في هذا المجال لأن الفلسفة كانت محل إدانة لذلك صار تعلمها سرا.

لعلني أشير إلى آخر المجهولات في حياة ابن رشد رحمه الله وهي لما نفي ابن رشد رحمه الله إلى مدينة اليسانة وهي مدينة معظم سكانها من اليهود، ولذلك جاءت التفسيرات وليست الحقائق مصاحبة لهذا الأمر فقال بعضهم أن هناك اتهاما بأن ابن رشد له أصول يهودية لذلك تم نفيه لها، وهذا مستبعد لأن من المفترض أن لا ينفى الشخص إلى المكان الذي يستعز فيه، وقيل من باب الحط من قيمته فحشر مع اليهود ولكن لم يظهر لهذا الأمر شواهد فيما اطلعت عليه ويبقى الأمر سرا لا يعرفه إلا ابن رشد ومن عاصر المحنة رحم الله ابن رشد حيا وميتا!

Halemalbaarrak@