شاهر النهاري

أين ستصب فتوى زرع قلب الخنزير؟

الثلاثاء - 02 أبريل 2024

Tue - 02 Apr 2024

ارتبطت ذاكرة المسلمين بفتاوي الحلال والحرام، ويختلف عليها رجال الدين إزاء كل جديد يدخله العالم الغربي في حياة عموم البشر، وقد كان لفتاوينا اختلافات ووقفات رفض عنيفة حرمت عددا ضخما من المخترعات والمستجدات، وبما يرسخها في الذاكرة الجمعية بالشك وتغليظ العقوبة، قبل أن تمر علينا الأيام ونكتشف أن في الأمر ألوان فسحة، فتنقلب الأحوال، ونعود نتلاحق ما فاتنا بعد أن أوجد المفتون مخارج جديدة، ما يجعلنا لا نحلم بالطليعة مطلقا، في التعامل مع المستحدثات عقليا ومنطقيا، فما بالكم في نيل عصا سبق البراءات والمستكشفات.

وللدلالة لا الحصر، فقد سبق تحريم البرقية والإذاعة، وحرمت الصور الفوتوغرافية، والسيارة، والطيارة، والتليفزيون، وحرمت البنوك، وحرمت هواتف الكاميرا، وحرمت زراعة الأعضاء، والقائمة أطول.

والغريب في كل ذلك أن من يحرمون هم أنفسهم أول من يعودون بتهوين وحجج تنافي ما فرضوه في الأمس!

واليوم يفاجئنا اكتشاف علمي عظيم، وتقدم واعد للجنس البشري، قد يفوق جميع المخترعات السابقة، وذلك بنجاح زراعة قلب خنزير معدل وراثيا في جسم إنسان.

جراحة مبتكرة قادها الدكتور الأمريكي محمد منصور محيي الدين، أستاذ الجراحة في كلية الطب بجامعة ميريلاند، كللت جهود 18 سنة من الأبحاث والتجريب والإعداد للعملية.

وسبق وأن قام عدد من العلماء بزراعة كلية خنزير معدلة وراثيا في جسد إنسان، وقد تقبل الجسد الكلية المزروعة، نظرا لشدة قرب جينات الخنزير من الإنسان، وسهولة إجراء التعديلات عليها وراثيا، حتى تتقبلها أعضاء الجسد البشري.

مفارقات واقع عجيب، فقائد جراحة القلب مسلم من أصل باكستاني، ولكن ذلك تم بعد هجرة وتغيير بيئة ونبذ مفاهيم.

كل الخنزير حرام بالقرآن والسنة، كونه نجس، ولأسباب يبرع رجال الدين في تغليظها، ولا نعلم حقيقة أين ستصب فتاويهم حيال جعل أي جزء من الخنزير عضوا بديلا في جسد مسلم، حيث يمتزج المزروع بأعضاء وسوائل جسد المزروع فيه!

ويرجح عالميا شيوع استخدام مختلف أعضاء الخنزير لتعويض النقص البشري.

الغرب دوره أن يكتشف، ويبدع في رسم الحيطة والخطوات العلمية والتقنية والأسباب والتطوير، لصالح البشرية، وما علينا نحن إلا التنظير والاختلاف في النواحي الشرعية، بحثا عن لباس وقياس وإجماع وشروط وعقبات.

خبرتنا مع جميع المخترعات العلمية السابقة، أنها تبدأ بالحرمة المطلقة وتعنت النظريات قبل تحليلها، ولكن الأمر أشد هذه المرة، كون المستحدث أكثر شذوذا وتباينا ولغطا بين الحل والحرمة.

هل سنسد كعادتنا أوسع الأبواب العلمية والطبية الواعدة، وهل سيتم نبذ مريض زراعة أعضاء الخنزير بالتشديد على نجاسته لمسا ومعاشرة، قبل أن نجد لنا طرقا ملتوية للإباحة؟

ألا يمكن للمنظمات الإسلامية أن تسير قريبا من عقول العلوم والآدمية، وأن تسرع المنظور، وتستشير أطباء ومتخصصين مسلمين، حتى يكون القرار سريعا موحدا، ودون نشر غسيل خلافاتنا، وجعل العالم يضحك على ما نفتعله عند كل مخترع مستجد؟

ألا يمكن أن نجاري العصر بالقدرة والتعاطف وتقدير الاحتياجات الإنسانية؟
الاستفادة من أعضاء الخنزير فرصة ستفتح طاقة للفرج لمرضى مخطرين كثر يعانون بيننا، ولا يجدون المتبرع، ولا الأعضاء المطابقة لأعضائهم، ولكن الواقع التعيس يقول إن ركب التطور دوما يسبقنا بمسافات.

shaheralnahari@