عبدالله سعود العريفي

اصنعوا سعادتكم بأيديكم

الاثنين - 01 أبريل 2024

Mon - 01 Apr 2024

علاقة لا مثيل لها ولا نظير، يرى كل طرف من أطرافها في الآخر من النقائص والخلل والعيوب ما لا يراه غيرهما، ويتعرضان لدواخل النفوس وبواطن الأمور كما لا يفعل غيرهما، ويتجشم ويتجلد ويصبر على ما لا يحبه لما يحبه ويتحمل ويطيق ما هو شاق ويعاني ويكابد ما ينغصه ويعكر ويكدر صفوه لأجل ما يسره ويسعده ويشرح صدره ويبهج قلبه، وهي العلاقة الوحيدة بين بني البشر التي تبنى وتقوم بالأساس على تقبل العيوب والتعايش معها وتتجمل بالتمتع بالمحاسن والاستمتاع بالمزايا والانتفاع بالمحامد، وأي تغيير أو تبديل أو تحويل في تنسيق وترتيب تلك المعادلة وتنظيم تلك الموازنة يؤدي إلى تشقق تلك العلاقة وتصدعها وقد تتكاثر الشقوق وتزداد الصدوع وتتضاعف الكسور حتى ينهدم ذلك البنيان ويسقط وينهار كاملا رغم توفر العديد من عوامل النجاح الظاهرية.

يخطئ من يظن أن الطريق إلى بلوغ السعادة في الحياة الزوجية والوصول إليها والحصول عليها مفروش بألوان الورود ومجهز بأشكال الزهور ومهيأ بأنواع الرياحين وواهم من يتصور ومخطئ من يتخيل أنه سيبلغ ويدرك التوافق والشعور بالانسجام والانتماء العاطفي والرضا والسعادة والاتفاق في الحياة الزوجية دون دفع الثمن من كلا الزوجين، ويتوقف الحصول على ذلك كله على كيفية رؤيتهما للزواج وفهمه ونظرتهما له ابتداء ومدى تأهبهما للمساهمة في إنجازه ومدى استعدادهما للمشاركة في إنجاحه.

لم يكن الزواج يوما معركة بمنتصر ومهزوم أو غالب ومغلوب أو قاهر ومقهور، بل هو علاقة أساسها شعور يدفع إلى إظهار مهابة الآخر ومعاملته باعتبار واحترامه وتقديره وتكريمه وعنوانها التفاهم والتفهم والاتفاق على جميع الأمور وتحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات والحصول على فهم مشترك، هو مشروع يتعاون فيه الطرفان معا ويتعاضدان ويتبادلان المساعدة على النهوض به وإنجاحه، ولم يكن الزواج في أي وقت من الأوقات وفي أي زمن من الأزمان علاقة ربحية لاقتسام المصروفات وتوزيع النفقات وحساب العوائد والدخول فيها ومناقشتها وبحثها من كل الوجوه وحسابها بقلم وورقة لمعرفة ما يجب على كل طرف من الأطراف أداؤه وما يلزمه تسديده وما يتحتم عليه دفعه، ولا علاقة وردية وعبارات رقيقة وكلمات معسولة يتراقص على أمواجها الحب ويتأرجح على شواطئها الولع ويهتز على جنباتها العشق ويتحرك على أطرافها الغرام وتبسط أجنحتها في سمائها عصافير الهيام، وإنما الزواج تطرأ عليه وتستجد وتتعاقب وتتتابع فصول متغيرة وأوقات متبدلة وأحوال غير مستقرة وطقس تارة يكون بهيجا دافئا وخلابا باهرا وجميلا رائعا وتارة أخرى ينقلب قارسا جافا وعاصفا تتحرك فيه عواصف مصحوبة برياح شديدة الهبوب تنتج أعاصير مدمرة تتسبب في أضرار جسيمة.

من الطبيعي عند اجتماع شخصين مختلفين في آرائهما وفي الطريقة التي يعيشان بها ومتباينين في أسلوب حياتهما حصول اختلافات وظهور عقبات وحدوث مشكلات، ويخوض بعض الأزواج نقاشات ويدخلون في توترات كبيرة وخلافات كثيرة ونزاعات عديدة يمكن للبعض التغلب عليها وتجاوزها وتخطيها ولكن قد تؤدي بآخرين إلى الانفصال والتفرق والتشتت؛ فلابد أن تكون النقاشات مع وجود احترام يزيد من فرص التفاهم والتوافق والانسجام بين الطرفين، والحياة لا تخلو من الصعوبات والعقبات والمواقف غير المعهودة؛ فاصنعوا سعادتكم بأيديكم ولا تلتفتوا للعقبات التي تصادفكم ولا تستسلموا للصعوبات التي تقابلكم ولا تنقادوا للمشكلات التي تواجهكم.