محمد إسحاق

هل يمكن لأي إنسان أن يصبح موهوبا؟

الاحد - 31 مارس 2024

Sun - 31 Mar 2024

هل يمكن لأي إنسان أن يصبح موهوبا؟ وما السر للوصول للموهبة؟
في كتاب شفرة الموهبة يجيب المؤلف دانييل كويل على هذا السؤال عبر دراسته للعديد من الموهوبين وأماكن تواجدهم والسر الكامن لوجود الموهوبين في أماكن دون أخرى.

وقد درس المؤلف النماذج المعاصرة في رياضة الغولف في كوريا الجنوبية، ورياضة كرة القدم في البرازيل وغيرها من المجالات والرياضات المختلفة.

وتعتبر البرازيل منذ خمسينيات القرن الماضي أكبر بلد أنتج اللاعبين البارزين بالرغم من الفقر والأوضاع الاقتصادية.

فما السر خلف ذلك؟ وهناك دول أكثر تقدما حول العالم، ودول تمتلك ميزانيات ضخمة للتدريب، ودول تمتلك كثافة سكانية عالية وكلها لم تستطع القيام بما قامت به البرازيل؟

عندما زار المؤلف البرازيل وجد أن هناك رياضة ظهرت في الخمسينيات اسمها الفوتسال، وهي عبارة عن ملعب كرة مصغر يلعب فيه اللاعبون بكرة صغيرة وثقيلة، وكل فريق به 5 لاعبين وتعتمد الرياضة على المناورة في مكان ضيق والسرعة والتمريرات السريعة.

وقد ساهم اللعب الكثير بهذه الرياضة وقضاء الساعات فيها والتعلم سريعا من الأخطاء وتصحيحها في صقل مهارات اللاعبين بشكل سريع للغاية.

كما درس المؤلف مدينة فلورنسا بإيطاليا وبحث في السر الذي جعل هذه المدينة الصغيرة تخرج العديد من المخترعين والفنانين البارزين في عصر النهضة أمثال ليوناردو دافنشي ومايكل أنجيلوا وغاليليو، فوجد أن الثقافة التي نشأت في المدينة بتدريب الأطفال منذ السادسة تحت إشراف معلم خبير ومتمرس لمدة لا تقل عن 10 سنوات هي التي ساهمت في تخريج هذه العدد من المتميزين.

واستخلص المؤلف الخطوات اللازمة للتعلم والتميز في أي تخصص أو فن بأنها تكون عبر الممارسة العميقة والتعلم من الأخطاء والتكرار، ووجود مثال أو شخص نجح في المحيط القريب منك أو في مجتمعك، وهو الذي يشعل فيك الرغبة والحافز عندما تراه أو تسمع به، ووجود المدرب الخبير والمتمرس والذي يساعدك ويوجهك للوصول للمسار الصحيح.

وربما هذا السر في أن أغلب الأثرياء يندرجون من أسر غنية وثرية، وقد يفسر لنا هذا الأمر السر في خروج عدد كبير من القراء من مصر في زمن متقارب أمثال الشيخ محمد صديق المنشاوي وعبدالباسط عبدالصمد ومحمد رفعت ومحمود الطبلاوي وغيرهم.

وقد يساعدنا فهم كيفية بناء الموهبة في بناء مدارس ومعاهد متخصصة لبناء الطلبة في مختلف المواهب والتخصصات التي نحتاج إليها.

وأختم بمقولة للكاتب دانييل كويل من كتابة شفرة الموهبة وهو يتحدث عن مدينة فلورنسا ذكر فيه «وكما يتضح، فإن فلورانسا كانت النقطة المركزية للنهوض بابتكار اجتماعي قوي أطلق عليه الطوائف».

والطوائف وهي الكلمة التي تعني «الذهب» كانت جمعيات من النساجين والرسامين وصائغي الذهب وكل من على شاكلتهم ممن نظموا أنفسهم لتحديد معايير التنافس والتحكم في الجودة، وقد عملت الطوائف وكأنها شركات مملوكة لموظفيها.

فلقد كانت لديهم إدارة واستحقاقات وسياسات صارمة تحدد من بوسعه العمل في الحرفة.

إلا أن أفضل شيء كانوا يفعلونه هو تنمية الموهبة.

بنيت الطوائف على نظام التدرب على الحرفة، الذي كان يتم فيه إرسال الصبية وهم في نحو السابعة من عمرهم للعيش مع المعلمين لمدة ثابتة تتراوح من 5 إلى 10 سنوات.

الصبي المتمرن في الحرفة كان يعمل مباشرة تحت وصاية ورعاية المعلم الذي كثيرا ما كان يتولى الحقوق باعتباره الوصي القانوني على الطفل.

الصبية المتمرنون في الحرفة يتعلمون الحرفة من القاع إلى أعلى نقطة، وليس من خلال محاضرة أو نظرية لكن من خلال العمل على خلط الدهانات، وإعداد اللوحات وسن الأزاميل.

كانوا يتعاونون ويتنافسون داخل رتب منظمة، يرتقون بعد بضع سنوات إلى مرتبة عامل بارع وأخيرا، لو كانوا ماهرين بشكل كاف إلى مرتبة معلم.

هذا النظام خلق سلسلة من القيادات الروحية: دافنشي درس على يد فيروتشيو، وفيروتشيو درس على يد دوناتيلو، ودوناتيلو درس على يد جبرتي؛ ومايكل أنجلو درس على يد غرلاندايو، وغرلاندايـو درس على يد بلدوفنتي، وهكذا، كلهم جميعا كانوا يزورون باستمرار استوديوهات بعضهم بعضا في نظام تعاوني تنافسي، وهو ما نطلق عليه الآن الشبكة الاجتماعية.

باختصار، كان الصبية المتمرنون في الحرفة يقضون آلاف الساعات في حل المشكلات، يحاولون ويخفقون ويعيدون المحاولة، داخل عالم بني على قاعدة إنتاج التميز بشكل منهجي.

muhamedishaq@