وليد الزامل

تجارب واقعية في وصف المناطق العشوائية

الاحد - 31 مارس 2024

Sun - 31 Mar 2024

اعتدت أثناء سفري خارج السعودية تخصيص أيام محددة لزيارة بعض المناطق العشوائية في الدول التي أسافر لها محاولا فهم الأسباب الكامنة وراء تشكيل الأنماط العمرانية والظروف الاقتصادية والاجتماعية لسكانها.

كمتخصص أنظر إلى المناطق العشوائية باعتبارها حل ارتجالي من المجتمع المحلي لأزمة الإسكان.

نظريا، توصف المناطق العشوائية بكونها مناطق غير مخططة، تفتقر لأمن الحيازة السكنية، وبنيت في ظل غياب الإجراءات الرسمية لنظام التخطيط العمراني.

أما عمليا، فسكان المناطق العشوائية خططوا للإقامة في هذه المناطق وحاولوا توظيف البيئة العمرانية بما ينسجم مع احتياجاتهم الاجتماعية والاقتصادية قدر الإمكان.

بعبارة أخرى، المناطق العشوائية حتى وإن كانت تفتقر لأمن الحيازة السكنية؛ إلا أنها توفر مخزونا سكنيا غير رسمي يعيد التوازن للسوق الإسكاني في المدن.

في الهند وتحديدا مدينة نيودلهي استقليت سيارة أجرة للذهاب إلى منطقة تيمور نجار Taimur Nagar التي تعد رمزا للنفايات والأوساخ والتداعي العمراني.

المنطقة ليست على درجة عالية من الشهرة كما ديهرافي Dharavi في مومباي والتي تعتبر واحدة من أكبر الأحياء الفقيرة في العالم؛ إلا أنها فريدة في طبيعة وخصائص ساكنيها.

وضعت يدي على الخريطة وأشرت للسائق بالذهاب إلى هذه المنطقة، نظر السائق إلى وجهي بدهشة قبل أن يدير محرك السيارة بامتعاض وينطلق إلى المكان.

بمجرد وصولي للمنطقة لم أجد الترحيب المتوقع فغالبية السكان لا يحبذون دخول الغرباء ويرفضون التصوير أو إجراء المقابلات.

مهما حاولت تصوير المنطقة فالزيارة وحدها لن تكون كافية لوصف مستوى القذارة فيه لدرجة يرفض السائق مرافقتي وأظل أسير راجلا ووحيدا في المنطقة، حتى جاء أحد السكان وتحدث معي بلغة غير مفهومه وقرر أن يرافقني أثناء تجولي في المنطقة.

صور وأحداث عديدة وغريبة علقت في ذهني وأنا أرى الزجاجات البلاستيكية، والأكياس، وأغلفة الطعام تتدفق مع مياه الصرف الصحي التي تنبعث منها رائحة نتنة تسد الأنوف.

يمر أنبوب صرف صحي ضخم في وسط المنطقة العشوائية وهو يخدم ما يقرب نصف مدينة دلهي وتحيط على جانبيه مكبات نفايات تشكل مصدر غذاء للخنازير والماعز.

أما السكان فيعيشون في غرف صغيرة مغطاة بالملابس الممزقة كالستائر أو الأبواب الخشبية أو الصفيح.

يتجاور السكان في مجموعات دينية تتضمن معابدها الخاصة، حيث يعيش المسلمون بشكل متجاور للهندوس.

يركض الأطفال الصغار ويلعبون في أراض جلها نفايات بكرات قدم ممزقة وزجاجات مياه فارغة.

حرارة ورطوبة وأوساخ وروائح كريهة كلها اجتمعت في مكان واحد.

شعرت بالدهشة عندما شاهدت أحد الكلاب الضالة قرر هو الآخر أن يرافقني، ربما تعاطف معي أو لعله كان يعتقد أن لدي طعاما أو هكذا كان يمني النفس؛ ولكنه بعد فترة قصيرة غمر جسده في مستنقع مليء بالمياه القذرة حتى يشعر بالانتعاش نتيجة شدة الحر ولسان حاله يقول الانتعاش في مياه قذرة أهون لي من مرافقتك!

السكان خططوا للإقامة في هذه المنطقة كونها غير صالحة للسكن باعتبارها منطقة يمر خلالها أنبوب الصرف الصحي وقريبة من مستنقع المياه.

المتخصص في المدن يعلم أنه على الرغم من تدهور البيئة العمرانية؛ هناك نظام اقتصادي يعيش عليه السكان، فالخنازير والماعز يتم بيعها والنفايات يعاد فرزها.

وهكذا، أصبحت هذه البيئة واقعا مسلما به لظروف معيشية ذات طبيعة خاصة.


باختصار، قبل تطوير المناطق العشوائية علينا أولا الارتقاء بأساليب المعيشة لسكانها، حتى لا تتكرر مشكلة العشوائيات في زمان ومكان آخر.

waleed_zm@