بشرى فيصل السباعي

فضيلة عدم التفاخر والتباهي

السبت - 30 مارس 2024

Sat - 30 Mar 2024

كم صورة ومقطعا شاهد العالم لموائد أثرى الأثرياء الغربيين سواء التي في بيوتهم أو التي في المطاعم عالية التكلفة؟ الجواب صفر، فلا يوجد مقطع أو صورة واحدة لأثرى الأثرياء الغربيين يستعرضون بموائدهم وأملاكهم؛ لأنه من ضمن الثقافة الغربية هناك فضيلة باعتبار الاستعراض والتفاخر والتباهي بالممتلكات والأحوال الشخصية أمرا مبتذلا، ولذا يستجلب الانتقاد والاحتقار وليس الإعجاب والإطراء كما لدى العرب.

للأسف إن الثقافة العربية المعاصرة تفتقر لفضيلة عدم التفاخر والتباهي والاستعراض بالأحوال المادية ولا يعتبر أمرا مشينا لصاحبه بل إنه يتم امتداح الشخص عليه كما في حالة من يقدم ذبائح وكميات مسرفة من الأرز فيوصف بالكرم مع أنه في الإسلام فعله يعتبر رذيلة الإسراف والتبذير (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين)، وتجب إدانته عليه وليس امتداحه، وللأسف فإنه حتى طعام العبادة في رمضان أي الفطور صار مجالا للاستعراض المبتذل، وحتى العوائل الثرية تنشر مقاطع لموائدها الباذخة، وفوق أن الاستعراض بالنعم سلوك مبتذل فهو يسبب الحزن لمن لا يملكون مثله ويشعرهم بسوء مضاعف تجاه حياتهم حتى لدرجة أن ذلك يؤدي إلى الاستياء والطلاق، وأيضا سوء معاملة الأبناء لآبائهم؛ لأنهم لا يمكنهم أن يوفروا لهم مثل ما يرونه في مقاطع وصور تباهي الآخرين بالنعم.

وفي الغرب أيام الحجر الصحي في بدايات وباء كورونا عندما صار المشاهير يتسلون بنشر مقاطع لطبخهم تم انتقاد هذا الترند واعتباره ينم عن عدم حساسية؛ لأن هناك من لا يملك الطعام للضرورة بينما المشاهير يستعرضون بطبخهم للتسلية فتوقف الترند؛ لذا العرب يحتاجون لتعلم فضيلة عدم التفاخر والتباهي من الغرب، ومن يتفاخر ويتباهى يجب إشعاره أنه يقوم بسلوك مبتذل يشينه وليس يمتدحه، ولو كانت كل الكميات الزائدة من الطعام التي يتم التفاخر والتباهي بها تذهب إلى المحتاجين لكان هذا قلل من سوء الظاهرة، لكن ما يضاعف من سوء ظاهرة التباهي بالطعام أن الكمية الأكبر منه ترمى في القمامة، وهذا من الامتهان الفاحش للنعمة، ولم يكن المسلمون هكذا فمن التقاليد القديمة التي لازالت موجودة لدى البعض أن من يعثر على كسرة خبز جافة على الأرض يقبلها ويرفعها احتراما لقدسية نعمة الله، وهناك إصرار على امتهان النعمة برمي الطعام الزائد في القمامة من باب مضاعفة التفاخر مع أنه تتوفر جمعيات «حفظ النعمة» التي تأخذ الطعام الزائد وتوزعه على المحتاجين.

غني عن القول أن هذه الثقافة مضادة لكل آداب الإسلام في التعامل مع النعم؛ ولذا في شهر رمضان الذي الحكمة من صيامه هو تدريب الإنسان على ضبط نزعاته والزهد وإلزام نفسه بالمثاليات العليا يجب تكثيف التوعية بفضيلة عدم التفاخر والتباهي والاستعراض، وبفضيلة مشاركة الطعام الزائد مع المحتاجين، كما أن من تريد الاستعراض بمائدتها عليها أن تضيع الوقت الثمين لرمضان في الطبخ الزائد عن الحاجة فوق تعبها الزائد، ومن تريد أن تستعرض بمشترياتها عليها أن تضيع الوقت الثمين لرمضان في التسوق المفرط، وهناك من يورط نفسه بالديون التي لا يمكنه سدادها ليتفاخر ويتباهى ويستعرض بما لا يملك، وهناك من يدفعه هاجس التفاخر والتباهي إلى المال الحرام، ولذا هذه الظاهرة لها عواقب سلبية حتى على أصحابها من عدة أوجه، وأيضا ثقافة التباهي سبب الكثير من القطيعة بين الأقارب؛ فعندما لا يكون الشخص ماديا مقتدرا على تقديم ما يمكنه التفاخر والتباهي به يفضل القطيعة، وفي الصحيح « لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر» والتباهي والتفاخر هو تغذية لكبر النفس.