زيد الفضيل

رمضان وجهالة المتفذلكين

السبت - 30 مارس 2024

Sat - 30 Mar 2024

في ذكرى يوم بدر الأغر، يوم الفرقان الأكبر، أقام مركز الخليج للأبحاث بالشراكة مع الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي بمقر المنظمة بمدينة جدة، ندوة رمضانية عنوانها «رمضان شعيرة جامعة بين الشعوب الإسلامية»، وكان لي شرف تنظيم الندوة وإدارة الحوار الذي شارك فيه كل من الأديب والمثقف الدكتور عبدالمحسن القحطاني، وعالم الاجتماع الدكتور إسماعيل كتبخانة، إضافة إلى مندوبي المنظمة عن دولهم وهم: السفير ضياء الدين بامخرمة سفير جمهورية جيبوتي، والسفير أكرم كريمي سفير جمهورية طاجيكستان، والسفير الدكتور إبراهيم جالو سفير جمهورية سيراليون.

الجميل في هذه الندوة أنها عكست أجواء رمضان الروحية بحديث الضيوف عن أبرز عادات وتقاليد هذا الشهر الكريم سواء في المملكة العربية السعودية أو الدول الممثلة في الندوة وجهاتهم الجغرافية، وكذلك بما رافق الندوة من آيات عطرات تلاها بصوته الرخيم السيد هاشم باروم الذي عطر الندوة أيضا بابتهال رمضاني رقيق مذكرا بيوم بدر الأغر الذي جعله الله يوم الفرقان الأكبر.

في هذه الندوة رأيت من مقعدي السرور على محيا كل من حضر، فما أجمل أن يسمع المرء شيئا من سمات وعادات وتقاليد الشعوب، وبخاصة إذا كانت متوافقة مع سماته الروحية وعاداته وتقاليده، وكيف لا يكون ذلك! والشهر الكريم الذي جعله الله جائزة لكل خلقه لما فيه من رحمة ومغفرة وعتق، جامع لكل المسلمين في كل أنحاء الأرض، سنتهم وشيعتهم، فالكل يصوم الشهر ولا يتخلف عنه، ولن تجد أحدا منهم يصومه في غير موعده وإن تقدم أحدهم يوما أو تأخر باختلاف المطالع، لكنهم مجتمعون شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، على شهر هجري قمري واحد بعينه لا يبدلونه وإن اختلف توافقه مع الشهر الميلادي، ولعمري فذلك مؤشر فريد من نوعه، ولا تجد أحدا من أتباع الديانات يتفقون على شعيرة واحدة كما هو حال المسلمين في رمضان والحج.

أشير إلى أن رأيا فاسدا أظهره الدكتور محمد شحرور في حياته، ووافقه عليه بعض الجهلة المتفذلكين ممن ينقصهم كثير من الوعي، يقول بأن صيام شهر رمضان ليس واجبا، ويمكن لمن يطيق الصيام أن يفتدي صيامه عن كل يوم بإطعام مسكين، كما يذكر بأن شهر الصيام ثابت وفق التقويم الميلادي، وليس كما هو معتمد اليوم عند كل المسلمين وفق التقويم الهجري، إلى غير ذلك من الآراء الفاسدة التي أعلنها في حياته سواء حول شهر رمضان أو غير ذلك مما يتعلق بمختلف الجوانب الدينية.

وواقع الحال فعتبي ليس على شحرور وأمثاله، بل على الذين يتلقفون كلامه ويطيرون به دون تدبر ووعي، ولو أنهم أعملوا جانبا من تدبرهم لوجدوا أن رمضان شعيرة متفق عليها بين جميع المسلمين منذ 14 قرنا، وعلى اختلاف مذاهبهم وسحناتهم ومواقعهم الجغرافية، ولم يقل أحد منذ أبكر القرون عنه أي قول، بل لم يذكر أن عالما قال رأيا مشككا في وجوب صومه للقادر، أو مشكك في وقته وموعده، سواء كان من أتباع المذاهب السنية التصنيف أو الشيعية.

وبالتالي أليس ذلك كله مدعاة للتفكر والتأمل والتوقف عن قبول أي قول يقول به قائل، فكيف إن لم يكن من أهل الاختصاص، ولا أقصد أن العلم الشرعي مخصوص بأشخاص معدودين، بل هو متاح لكل من درس وتعلم وقرأ وثنى الركب أمام علماء ربانيين، ليعرف الخاص من العام، والمجمل من المقيد، والمحكم من المتشابه، إلى غير ذلك من قواعد العلم الشرعي الذي جعل الله أصحابه من الراسخين في العلم.

على كل وبمنأى عن كل هذا العبث الذي ابتلانا الله به، أختم بالتشديد على أهمية أن تهتم الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي بموضوع ترسيخ العلاقات الثقافية بين الشعوب الإسلامية، فالثقافة بمفهومها الواسع هي مفتاح كل تقارب، وهي من ستجسر الفجوة السياسية والاقتصادية وتفتح بابا واسعا للتقارب بين جميع الدول الإسلامية على مختلف الأصعدة، وما فرقتنا السياسية فيه ستجبره الثقافة بقيمها وسماتها الروحية، وهو ما يحرص الاستعمار الفرانكفوني على تعزيزه بين مختلف الدول التي احتلها.

إنها الثقافة التي لم ندرك أهميتها بعد، وهي الثقافة الجامعة التي كانت علامة بارزة في الندوة المشار إليها، فاللغة العربية كانت قاسما مشتركا بين جميع المتحدثين، ورمضان ببهجته وسلوكه وعاداته وتقاليده كان وحدة واحدة من حيث السياق بين شعوب كل المتحدثين، وهو ما نحتاج أن نسلط الضوء عليه أكثر في قابل الأيام، ولنتذكر فإن الجهل حجاب، والمعرفة نور، ورمضان كريم.

zash113@