شاهر النهاري

تخمة رمضان الفنية

الاثنين - 25 مارس 2024

Mon - 25 Mar 2024

ارتبطت ليالي رمضان الكريم بالتخمة بأنواعها، حيث السفرة الرمضانية المتنوعة، وشهوة المبالغة في الانتقام من الجوع والعطش، فيظل الأغلبية يزدردون من الأطعمة ما لذ وطاب، بهوس «تزغيط» غير محبب، يجعل المساء الرمضاني يمر ثقيلا، بين حموضة ونفخة ومشروبات للهضم، وأدوية وملينات.

ومن كان حظه أكثر تعاسة فتكون أطعمته مصنوعة بغير اتقان مختلة المقادير، يجرب فيها الطباخ الغشيم صنعته بمرير أطباقه بدسم، وغرابة «الدريسنج»، وإغراقها بالسكريات، والخمائر والبهارات ودون توازن لها ولا عقل، فتتماهى تسبيكة اليوم مع حموضة وقوام الأمس، لدرجة القرف، ما يؤكد التخمة المؤلمة الثقيلة.

وبعد عنف الهجمة لا تعود المشروبات الغازية ولا الأدوية تفك الاحتباس، والامتلاء، ولا تمنع حرقة المعدة، ولا الارتجاع، ما يجعل المتخم يضطر لدس أصبعه في فمه، عله يتقيأ بعض ما التهمه «بشفاحة» عمياء فرضت عليه بالخداع البصري، وما ظنه مفيدا، وثبت أنه مجرد حومة كبد وزيادة ضيق أنفاس.

ذلك ما يتم مع تخمة الأطعمة، ولكن الكوارث لا تأتي فرادى، فنجد في نفس الليالي الرمضانية تخمة أخرى تضغط على أنفاسنا بالوجبات الفنية، وأطباق البرامج السمجة البائتة والتي رغم جدتها وتكاليف صنعتها، تفتقد الجودة والتميز، مرقتها مخلوطة ببقايا كنافة وعصيد، ويتشرب سمنها الثقيل بالكعك، إثر تسرع الطباخين المجربين للمحمر والمشمر والبرامج المسلوقة، تتكرر كل سنة بذات الأفكار الغبية، التي وإن أضحكتنا قبل عدة سنوات، ولكنها مع إلحاح التكرار تجعل الفكر متخلفا، وتؤكد على استنساخ يستبيح كل الصور المزرية.

لقمة الفن الشهية المقننة الحقيقية منعدمة، ومعدة الوعي تشتكي، وقشرة الدماغ تصاب بالصداع، بمجرد التسطح أمام الشاشات، وحتى ولو بنوايا استطلاع عن المفيد، فالأطعمة المعلبة هي نفسها، على سفرة سد الحنك، تلت وتخبز منذ سنوات وتستعاد، فلا تعود المشروبات، والملينات تزيل تخمتها، ولا بد من إدخال أصابعنا، في آذاننا، نستفز أدمغتنا، لتتقيأ بعض ما علق فيها من تلبك برامج تتصنع الفن، وهي مجرد صنعة عقوبة للنفس والروح، والخاطر.

تسأل من تعرف: هل وجدتم شيئا مميزا من البرامج والأعمال الفنية الرمضانية؟

والأغلبية العظمى، يحكون عن عمليات رجيم وتكميم معدة يزاولونها، حتى لا يتذوقوا أيا من هذه الوجبات المهلكة.

لماذا هذه الفوضى، والتكتل الهستيري، والاستنفار الفني، الهادف لحلب الإعلانات على صحون أمزجتنا، وما علاقة رمضان بكل هذه الوجبات القاتلة لبراعم التذوق؟

البرامج المضحكة، قمة في السخافة، والمقالب تكرار للغباء، لا يصدقها حتى من يقومون بأدائها بغية جزيل مردودها، والمسلسلات دكاكين أمراض نفسية واستعراض شفاه منفوخة، وحواجب منقوشة، وحركات وملابس يعاند أشباه الفنانين فيها البيئة والحبكة الفنية، وهي تطبخ النشاز.

وحتى لا نكون قانطين من جدوى الانتقاء الذاتي، فبعض الأعمال الدرامية التي تستحق المتابعة، لا يتمكن المشاهد من اكتشافها وسط أكوام القمامات، التي ترمى عليه كل يوم بعد الغروب، ولا يتم تجريفها بحلول المغرب القادم.

هل يمكن اعتبار هذا التنوع الفني غثه وسمينه ثقافة وفنون مفيدة فاعلة؟

بالطبع لا، وحتى أن مستويات النقد الفني، تجشأت واستسلمت لتخمة الطبطبة والمديح هي الأخرى، ولم يعد ينفع معها أي معالجة إسهال واستسهال، ولا طبخ رقبة بقرتنا في مرقة رقبة بقرتكم!

shaheralnahari@