عبدالله سعود العريفي

احذروا المفسدين

السبت - 23 مارس 2024

Sat - 23 Mar 2024

كان مطمئن النفس خالي الهم يعيش في راحة، فزاره أحدهم ذات يوم وسأله: أين ابنك فلان؟ لماذا لا يزورك كثيرا؟

هل يعقل أن ظروفه لا تسمح له؟ وهل أنت مقتنع بأنه لا يقدر على زيارتك باستمرار؟ فتعكر مزاج ذلك الأب فجأة وبدأ في الاضطراب، وأصبح قلبه غير صاف، وصار جوه متعكرا، لتتراخى بعدها روابط المودة بينه وبين ابنه، وتبدأ الفظاظة بعد اللطافة، والإعراض بعد الرضا، والمجافاة بعد المصافاة.

وأخرى، سألتها زميلتها عندما ولدت مولودا: ماذا أحضر لك زوجك بمناسبة المولود الجديد؟، فأجابتها: لا شيء، فقالت لها متهكمة بصوت متهدج والشرر يقدح من عينيها ويتطاير: لم يقدم لك شيئا أبدا؟

يظهر أنه لا أهمية لك عنده، وحينما عاد زوجها من عمله وجدها مستاءة جدا، وقد احمر وجهها، وانتفخت أوداجها من شدة الغضب، حتى أوشك الدم يخرج من عروقها، وهي حانقة مغتاظة، وتزبد وترعد وتولول وتتوعد، فتشاجرا محدثين صراخا وضجيجا وعويلا، وعاب كل منهما الآخر بلسانه وعيّره، وتجابها وصارت أيديهما تطيش يمنة ويسرة، وهاجم كل منهما الآخر ووصل الأمر إلى الضرب والدفع بشدة، فطلقها وأخرجها من عصمته.

وثالث، كان موظفا منضبطا في عمله ومواظبا عليه ومخلصا فيه، إلا أنه اضطر لترك عمله بعد أن كرهه كرها شديدا، بسبب شلة كونها موظف سوسة لنشر العداوات وتلفيق الأقاويل، لضرب العلاقات بين الموظفين حتى يخلو الجو لتلك الشلة، ولا يتفوق أحد على أي من أعضائها، وإن امتنع المدير عن السير على أهوائهم للإضرار بمن لا يروق لهم من الموظفين، ضايقوه هو الآخر حتى يترك عمله ويأتي مدير غيره، يرضخ لما يقولون وينفذ ما يريدون، ويحقق ما يرغبون فيه.

لا شك أن إفساد العلاقات بين الناس، وتخريبها وإصابتها بالتلف والعطب والخلل، خلق ذميم وصفة كريهة، وطبع لئيم ومرض نفسي مقيت، ينبئ عن نفسية مأزومة قد تجمع فيها حب الأذى للآخرين، وتراكم فيها الكره وازداد فيها الحسد، فلا يطيب لأولئك المفسدين أن يشاهدوا أواصر متينة أو أن يروا علاقات طيبة، فيكونون حاضرين بخبث طويتهم وموجودين بسوء نيتهم، ومتهيئين بفساد سريرتهم، وهم فاقدون للأمن النفسي والاستقرار العقلي، إذ يسيطر عليهم القلق والاضطراب، والذي يسبب تداعيات تعود عليهم بالأضرار النفسية التي تؤدي إلى الأضرار البدنية مع استمرار تدفقها في نفوسهم، ولا يطمئن لهم حال ولا يروق لهم بال إلا إذا مزقوا الروابط وقطعوا العلاقات، وفككوا الأواصر بين الناس، فإذا بالود ينقلب إلى حقد، والصداقة تصبح عداوة، والتفاهم يتحول إلى تخاصم، والتقارب يتغير إلى تنابذ، والتعارف يتبدل إلى نكران.

كم تفرقت من قلوب، وكم تمزقت من روابط، وكم تهدمت من بيوت بسبب أولئك المفسدين بين الناس المفرقين بين الأحباب، وكثير منهم يظنون ويزينون أنهم مصلحون إلا أنهم في الحقيقة مفاتيح للشر مغاليق للخير، يزرعون العداوة والبغضاء، ويغرسون الخصام والتفرقة، فيحطمون كيان الأسر ويفاقمون المشكلات ويتسببون في الكره بين الناس.

فكم من باب شر فتحوه وكم من باب خير أغلقوه، فالواجب الحذر والتحذير منهم، وإسكاتهم والقضاء على تصرفاتهم القبيحة، وبيان خطورة سلوكياتهم السيئة التي لا تحدها حدود، ولا تمنعها فواصل حتى تنجو البيوت من أحد أهم عوامل خرابها، وحتى تسلم العلاقات من أحد أسباب تفككها.

الكلمات المفتاحية:
  • العلاقات الاجتماعية
  • النفاق الاجتماعي
  • حالات الطلاق
  • بيئات العمل
  • إفساد العلاقات