محمد إسحاق

هل يمكن تربية أبنائنا ليكونوا عباقرة؟

الخميس - 21 مارس 2024

Thu - 21 Mar 2024


أثير الجدل كثيرا ولا يزال، حول ما إن كان الطفل يولد عبقريا منذ الصغر أم هي مسألة يمكن اكتسابها وتنشئته عليها؟
«لازلو بولغار» عالم نفس مجري، ومؤلف كتاب «كيف تربي موهوبا؟»، كان أحد المؤيدين بأن الموهبة تُكتسب ولا تولد، وأن الأداء العالي والعبقرية مسألة يمكن اكتسابها بالتدريب والتركيز ولا تأتي منذ الصغر.

وقال لازلو: إن أي تفرغ وتدريب مكثف ومستمر في مجال محدد يمكن أن يحول أي طفل سليم إلى عبقري، وذكر أن الأطفال لديهم إمكانات عالية، والأمر متروك للمجتمع لإطلاق هذه المواهب.

وفي عام 1960م، كان العالم المجري يروج لنظريته هذه في الإبداع، وقوبلت بالاستهجان والسخرية، حتى نصحه البعض حينها بمراجعة طبيب نفسي للتخلص من أفكاره تلك!
لم يجد وسيلة لإثبات صحة نظريته إلا خلال تطبيقها على أبنائه المستقبلين، وهذا ما كان مع بناته الثلاث: سوزان، وصوفيا، وجوديت، بمساعدة زوجته كلارا.

اختار لازلو بولغار مجال الشطرنج بخلاف بقية المجالات الفنية كالرسم والكتابة وما شابه، لوجود نظام قياس واضح للأداء ومعايير عالمية يمكن خلالها معرفة المتميز من عدمه، بخلاف المجالات الفنية التي تدخل فيها الأمزجة والآراء ويصعب الحكم على تفوق شخص ما من عدمه.

كان الأب محبا للشطرنج ولاعبا هاويا، وقام بجمع كثير من الأدلة والمراجع حول الشطرنج ووفرها في البيت، مثل أسماء أبرز اللاعبين وبيانات مفصلة حولهم، وأبرز المباريات التي أقيمت في الشطرنج، وغيرها من الأدلة التي رتبها في أرشيف منظم بالبيت.

بدأ الأب مع البنت الكبيرة سوزان قبل بلوغها سن الخامسة، وبدأ معها اللعب رويدا رويدا، لأنه كان يعتقد أن الإكراه لا يُنشئ موهوبا، وعلى الطفل أن يحب المجال ويستمتع فيه.

وعندما وصلت سوزان الخامسة كانت قد تلقت مئات الساعات من التدريب، مما أهلها للدخول في دوري للشطرنج مع طلاب أكبر منها بسنوات، والفوز عليهم كلهم، مما أثار استغراب الناس حينها.

ثم بدأ مع البنت الوسطى صوفيا، ثم جوديت، وكانا من قبل تشاهدان الأب وهو يدرب الأخت الكبرى وأحبا المجال، وأرادا الدخول فيه أيضا في سن مبكرة.

ومع التدريب المكثف والمستمر، وقبل وصول كل واحدة منها إلى سن العاشرة، كُنّ جميعا قد تلقين أكثر من عشرة آلاف ساعة من التدريب المكثف.

وظهرت المحصلة لهذه الجهود بعدها بسنوات قليلة، فقد صارت سوزان بطلة العالم لفئة 16 سنة في الشطرنج، وحصلت على أعلى تقييم عالمي، وصوفيا فازت في بطولة العالم لفئة 14 سنة للشطرنج، ولقب خامس أفضل لاعبة على مستوى العالم.

أما جوديت، فقد تميزت عن أختيها، وكانت التي تبذل جهدا أكبر منها في التعلم والتدريب، إذ حصلت على لقب أصغر (غراند ماستر) في الشطرنج، ولقب اللاعب الأول على مستوى العالم، مع الفوز بكثير من البطولات والمباريات على مستوى العالم.

التجربة في نظري تستحق الدراسة والتأمل، وقد لا يكون تعميمها بشكل مطلق صحيحا دون دراسة مستفيضة لها، فقد تكون الطريق لتربية جيل من المميزين في مجال البرمجة والروبوتات والذكاء الاصطناعي، ومجالات الشريعة والفقه واللغة وغيرها، من المجالات المهمة والحيوية لنهضة مجتمعاتنا.

التجربة تستحق التأمل بحق، وأبناؤنا بحاجة إلى من يحتويهم ويرشدهم في سن مبكرة، قبل أن تتخطفهم وسائل التواصل الاجتماعي، وتضيع إمكاناتهم وتتبعثر جهودهم، وخير مكان يمكننا أن نبدأ به هو في إيجاد البيئة الداعمة في البيت من الوالدين.

أختم بكلمة قالها العالم المجري لازلو في كتابه «كيف تربي عبقريا؟»: «يمكن لكل طفل سليم أن يُربى ليكون شخصا عبقريا. وعندما بدأت هذا العمل مع زوجتي، قرأنا مجموعة كبيرة من الكتب والدراسات.

لقد فحصنا طفولة العديد من الشخصيات البارزة، ولاحظنا أن كل من أصبحوا عباقرة تخصصوا في وقت مبكر جدا في مجال ما، ووثقنا أيضا أنه كان بجانبهم دائما أب وأم، أو معلم أو مدرب، وكانوا مهووسين بمعنى الكلمة.

لذلك، بناء على بحثنا يمكننا أن نستنتج بحق أن العباقرة لا يولدون، وعلى المرء أن يُربيهم، وإذا كان من الممكن تربية شخص متميز، فنحن بالتأكيد بحاجة إلى تجربة ذلك، وهكذا فعلنا وحققت محاولتنا النجاح».


muhamedishaq@