بشرى فيصل السباعي

معضلة رأس المال غير المثقف

الخميس - 21 مارس 2024

Thu - 21 Mar 2024


في الماضي قبل عصر العلم والتكنولوجيا كان ممكنا أن يكون أصحاب المهن والتجار والمستثمرون مفتقرين بالكامل للعلم والثقافة المتقدمة المستشرفة للمستقبل وتطوراته؛ لأن مجالاتهم لم تكن تتطلب منهم تلك الثقافة، لكن في عصر العلم والتكنولوجيا والمنافسة المفتوحة بين رؤوس الأموال المحلية والعالمية ما عاد ممكنا أن يحقق أحد نجاحا وثروة بدون امتلاك ثقافة متقدمة تفوق تلك التي للإنسان العادي.

ويكفي النظر إلى قائمة أثرى أثرياء العالم الذين بلغو قدرا غير مسبوق من الثراء بالتاريخ للتأكد من أن العلم والثقافة المتقدمة باتت هي التي تصنع الثروات؛ فجميعهم بدؤوا حرفيا من الصفر وبنوا ثرواتهم من اختراع أو فكرة تكنولوجية دعمهم فيها مستثمرون مثقفون يعون أن الأرباح الكبرى ما عادت بالمجالات التقليدية للاستثمار إنما هي بالمجالات المستجدة التي بات يمكن العثور عليها في أفكار شباب أحيانا لا زالوا يدرسون في الجامعة، ويمكن رؤية ذلك في نوعية وحجم حضور أصحاب رؤوس الأموال والشركات في معارض مسابقات الاختراعات والأفكار المخصصة للناشئين، حيث يمكن رؤية أصحاب رؤوس الأموال والشركات يتنقلون من طاولة عرض إلى أخرى متحفزين لعقد صفقات بالملايين مع هؤلاء الشباب، وكثيرا ما ينقل الإعلام قصة مراهق فقير تحول إلى مليونير بسبب تطبيق بسيط برمجه واشتراه منه مستثمر.

وتقام مثل تلك المعارض والمسابقات في كل مدرسة وجامعة ومدينة من مدن الدول الصناعية، كما أن المصدر الأساسي لتمويل الجامعات والمؤسسات العلمية والبحثية والدراسات والأبحاث في الغرب هم الأثرياء وأوقافهم؛ لأنهم يقدرون قيمة العلم ليس فقط لذاته إنما أيضا لاعتمادهم على الأبحاث العلمية في تطوير التكنولوجيا والصناعات المتقدمة في مجالات استثماراتهم، وقصص تحول معدمين إلى أثرياء عبر اختراع بسيط أو كتاب وراءها بنية مؤسساتية استثمارية تجارية قانونية إعلامية دعائية تتبنى المنتجات المادية والثقافية وتحولها إلى سلع عالمية، بينما لدينا دورة حياة أي فكرة أو اختراع مادي أو ثقافي تنتهي بعد تسجيل حقوقه الفكرية، ولا توجد بنية تجارية استثمارية مؤسساتية تتبناه وتسوقه وتنفع به العالم ولهذا قائمة أثرياء العرب لا يوجد فيها من حقق ثروته عبر المجالات المستجدة للاستثمار التي تتطلب ثقافة وعلما ووعيا متقدما.

رأس المال العربي لا زال عالقا في حقبة الاستثمارات التقليدية ولهذا لا يمكنه أن يصل إلى منافسة أثرى أثرياء العالم ولا حتى المنافسة عالميا بمجالات الاستثمار التقليدية؛ لأنها أيضا باتت تتطلب ثقافة متقدمة، ومجرد الحصول على شهادة أكاديمية بخاصة في الدول العربية لا يعني أن الشخص بات ملما بالثقافة العلمية والتقنية والمعرفية المتقدمة اللازمة للمشاركة والمنافسة في الاستثمار في مجالات علوم وتكنولوجيا وصناعة وتجارة الحاضر والمستقبل، ولذا لجسر هذه الهوة الواسعة بين رأس المال وبين مجالات الاستثمار الحديثة التي تصنع الحاضر والمستقبل يمكن القيام بمبادرات حكومية تثقفية لأصحاب رؤوس الأموال تتمثل بالمعارض والمؤتمرات وورش العمل.