ياسر عمر سندي

قيمة اللقيمات

الخميس - 21 مارس 2024

Thu - 21 Mar 2024


تعد المنظومة البشرية التي خلقها الله ومكنها وأمدها بخاصية التمييز لتستفيد وتفيد وكرمها بنعمة العقل للوصول إلى الرشد من أكمل المنظومات الكونية والتي تتطلب التقنين والانضباط للناحية الجسدية التي تؤثر على الناحية الفكرية وبالتالي التأثير على الناحية النفسية لإعمار الأرض والاستخلاف بها.

هذا التكامل الإيقاعي الثلاثي بين الجسد والفكر والنفس يحتاج إلى التغذية بطريقة موزونة ليستطيع الإنسان من خلالها أن يؤدي رسالته بكفاءة وفاعلية لتحقيق الصحة المستدامة.

عندما نتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه».

هذا الحديث الشريف أصل جامع لمبادئ الاستطباب والعلاج الجسدي والتداوي الذاتي الذي يحتاج الإنسان فيه إلى وقفة واعية وصادقة في كمية الطعام الذي يتناوله وكمية الماء والمشروبات ومدى توافقها مع كمية الهواء الذي يحتاجه حتى تكتمل المنظومة الصحية الثلاثية بالإضافة إلى أهمية توافقها مع المرحلة العمرية للإنسان؛ فكلما زاد العمر احتاج الجسد إلى كميات مقننة للتخفيف من أمراض هذا العصر ومن أهمها الضغط والسكري.

قال الطبيب والحكيم في زمانه ابن ماساويه: «لو استعمل الناس هذه الكلمات لسلموا من الأمراض والأسقام و لتعطلت دكاكين الصيادلة»؛ وقال الحارث بن كلدة طبيب العرب: الحمية رأس الدواء والبطنة رأس الداء؛ قال الغزالي: ذكر هذا الحديث لبعض الفلاسفة، فقال: ما سمعت كلاما في قلة الأكل أحكم من هذا.

من التطبيقات الصحية لمراقبة تلك اللقيمات الحرص على التنويع الغذائي الذي يستشعر معه الشخص الإحساس بالجوع والرغبة في الأكل قبل النهوض من مائدة الطعام وهذه أنسب طريقة يحدد فيها الإنسان جرعة احتياجه الجسدي من الطعام ليستقيم صلبه ويشتد عوده ويترك مساحات أخرى لشرابه وهوائه.

حيز المعدة مرن بحسب ما يتم ترويضه فكلما زادت كميات الأكل والشرب استعسر معه أخذ النفس وحلت مكانه التخمة التي تصيب بالانغلاق الجسدي والانحباس الفكري والتكدر النفسي فيحدث التراخي عن الأنشطة والأعمال والتكاسل عن الإنجاز والأداء وتتراجع الإيجابية وتأتي السلبية وتقل الهمة ويزداد التشتت وعدم الارتياح قال تعالى «وكلوا واشربوا ولا تسرفوا»؛ ومن السلوكيات الظاهرية للتخمة كثرة التجشؤ وازدياد التثاؤب والنعاس وعدم القدرة على الوقوف للصلوات والركون للنوم.

في اليابان هنالك فلسفة يطلق عليها «الإيكيجاي» الإيكي وتعني الحياة وجاي تعني القيمة المستحقة ومعناها الشئ الذي تعيش من أجله ويستحق لتصبح سعيدا ومتحمسا؛ وفي قرية أوجيمي شمال جزيرة أوكيناوا اليابانية يكمن سر السعادة لأعلى معدلات السكان المعمرين في العالم بما يفوق 100 سنة واستمرارهم بصحة جيدة بسبب نظامهم الغذائي المقنن والموزون الذي يعتمد على المنتجات الطبيعية.

حتى تستقيم منظومتنا الصحية يجب علينا مراعاة قيمة اللقيمات الأساسية لصحة الأجساد والأفكار والنفسيات.


Yos123Omar@