سالم الكتبي

بين «حالة الاتحاد» و«حالة بايدن»

الخميس - 21 مارس 2024

Thu - 21 Mar 2024


ربما لم تكن الصورة الذهنية لرئيس أمريكي كما هو عليه حال الرئيس الحالي جو بايدن، حيث تتوالى سقطات سيد البيت الأبيض وهفواته، ويتراجع أداؤه الرئاسي بشكل يخصم من رصيد هيبة الولايات المتحدة ونفوذها العالميين. وكانت أزمة غزة أكثر أزمة عالمية وضعت الرئيس الأمريكي في بؤرة الضوء إعلاميا، حيث تتسلط عليه الأضواء بشكل لحظي ارتباطا باهتمام الرأي العالم العالمي بتطورات هذه الحرب، وتعلق العالم بالموقف الأمريكي باعتباره الأكثر قدرة على ممارسة الضغوط وصولا إلى وقف القتال.

وفي خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه الرئيس بايدن مؤخرا، تناول قضايا خارجية عدة أبرزها أوكرانيا وغزة، حيث سعى لإقناع الكونجرس بتمرير المساعدات المقررة لأوكرانيا، من خلال التلويح بالخطر الذي تتعرض له الديمقراطية والحديث عن فوضى محتملة يمكن أن تجتاح أنحاء أوروبا وما بعدها في حال هزيمة أوكرانيا، وقال «إذا كان أحد المتواجدين في هذه القاعة يظنه (الرئيس بوتين) سيكتفي بأوكرانيا فأنا أؤكد لكم أنه لن يفعل»، وتحدث مجددا عن إمكانية أن تقوم أوكرانيا بإيقاف بوتين «إذا وقفنا إلى جانبها ووفرنا لها الأسلحة التي تحتاج إليها للدفاع عن نفسها»، نافيا أن تكون أوكرانيا بحاجة إلى جنود أمريكيين، وربط المساعدات لأوكرانيا بالقيادة الأمريكية للعالم، وكان يتحدث في وقت تتزايد فيه التقارير والتحليلات حول تراجع الجيش الأوكراني وتحوله من الهجوم إلى الدفاع تحت ضغط تقدم القوات الروسية في مدن أوكرانية عدة، فضلا عن تفجر نقاش أوروبي حول مسألة إرسال قوات لأوكرانيا، ما يعني أن المطلب الخاص بهزيمة روسيا لم يعد يستوجب فقط الدعم التسليحي بل بات يتطلب إرسال قوات تابعة لدول حلف الأطلسي من أجل القتال إلى جانب أوكرانيا، بكل ما يعنيه ذلك من تداعيات استراتيجية بالغة الخطورة.

حديث بايدن عن ضرورة التمسك بحلف الأطلسي ودعم أوكرانيا ووقف خطط بوتين للسيطرة على أوروبا يتعارض تماما مع أفكار منافسه الجمهوري دونالد ترمب، ولكن العائق الأهم لمصداقية هذا الحديث أن المساعدات العسكرية الأمريكية التي بلغت حتى نهاية العام الماضي نحو 44 مليار دولار لم تحقق الهدف المطلوب، ولم تنجح في وقف تقدم الجيش الروسي ناهيك عن هزيمته عسكريا.

تحدث الرئيس بايدن أيضا عن الحرب الدائرة في غزة، حيث حاول أن يكون متوازنا من خلال التأكيد على دعمه المطلق والثابت لإسرائيل في الدفاع عن نفسها واتخاذ ما يلزم من أجل ذلك، مع الإشارة إلى أهمية حماية المدنيين، والجهود التي يبذلها لتحرير الرهائن ولاسيما الأمريكيين منهم، والتركيز على تقديم المساعدات الإنسانية، وفي هذا الإطار تحدث عن توجيه الجيش الأمريكي لقيادة مهمة طارئة لإنشاء رصيف مؤقت في البحر الأبيض المتوسط على ساحل غزة يستطيع استقبال الشحنات الكبيرة المحملة بالغذاء والماء والدواء والملاجئ المؤقتة، مؤكدا على عدم تواجد أي قوات أمريكية على الأرض في غزة للقيام بهذا المهمة الجديدة.

تحدث بايدن أيضا عن حل الدولتين، باعتباره الضمانة الوحيدة للأمن والاستقرار والتعايش المشترك بين الإسرائيليين والفلسطينيين، حيث اتسم موقفه تجاه حرب غزة بقدر من التغير مقارنة بما كان عليه في أكتوبر الماضي.

تناول الخطاب أيضا الإنجازات المحققة اقتصاديا بما فيها النمو وخفض العجز التجاري مع الصين، وأشاد الرئيس الأمريكي بوضع اقتصاد بلاده القوي، وتعافيه بعد أزمة جائحة كوفيد.

وقال بايدن «لقد ورثت اقتصادا كان على حافة الهاوية... الآن أصبح اقتصادنا موضع حسد العالم، بكل ما للكلمة من معنى.. 15 مليون وظيفة جديدة في ثلاث سنوات فقط، وهذا رقم قياسي، والبطالة عند أدنى مستوياتها منذ 50 عاما»، ولم يتطرق إلى مستوى التضخم الأمريكي.

سعى بايدن أيضا للرد على منتقدي ترشحه للرئاسة مجددا في هذه السن (82 عاما)، فقال أمام الكونجرس بمجلسيه «أعلم أن الأمر قد لا يبدو كذلك، لكني مولود منذ فترة طويلة.. في سني تصبح بعض الأمور أوضح أكثر من أي وقت مضى»، في محاولة ساخرة للرد على منتقديه وتفادي الاتهام بتجاهل النقطة الأكثر وضوحا بيد منافسه، لكن رده لم يكن بالحجية التي تقضي على مخاوف معظم الناخبين من تأثير تقدمه في العمر ولاسيما في ظل توالي الهفوات التي تعكس تراجع قدراته الذهنية.

منتقدو خطاب حالة الاتحاد وفي مقدمتهم سلفه ومنافسه المحتمل ترمب، فقد وصف الخطاب بأنه وصمة عار على البلاد و«أسوأ خطاب عن حالة الاتحاد على الإطلاق»، وركز ترمب مجددا على مسألة كبر سن الرئيس وأنه غير قادر حتى على الصعود للمنصة بمفرده، بجانب تراجع هيبة الولايات المتحدة عالميا، معتبرا أنها تعرضت للمهانة على يد بايدن، كما أشار إلى الارتفاع القياسي في معدلات التضخم.

حاول بايدن في خطاب حالة الاتحاد تبديد الصورة النمطية السائدة عنه كرئيس ضعيف، حيث اتسم صوته بالقوة والحيوية والأهم أنه نجح في أن يتفادى ارتكاب أي خطأ في إلقاء الخطاب، حيث كان منتقدوه ينتظرون أي سقطة له لعلمهم أنها قد تكون «القاضية» على صورته كرئيس قادر على الترشح لدورة رئاسية ثانية.

شكك البعض أيضا في حديث بايدن عن أن أوكرانيا يمكنها إيقاف روسيا، معتبرين ذلك «كذبة جديدة»، ولكن بشكل عام فإن بايدن قد تحدث عن ترمب كثيرا، ووصفه بـ «سلفي»، ودفع بالخطاب ليكون أقرب إلى خطاب انتخابي وليس بيانا عن حالة الاتحاد، ولكن النقطة الأهم برأيي أن بايدن لم يتطرق إلى أي إنجاز نوعي لاسيما على صعيد السياسة الخارجية، حيث بدا الخطاب خاليا من أي تقدم أو إنجاز، ولذلك فقد تطرق الخطاب سريعا لملفات مثل إيران كما لم يتناول قارة أفريقيا بأي شىء على سبيل المثال، وهو ما يختصر أداء الرئيس بايدن الذي لن يحقق أي نجاح فعلي للسياسة الخارجية الأمريكية، حيث بدا حال الاتحاد أشبه بحال الرئيس خال من أي إنجازات.



drsalemalketbi@