بسمة السيوفي

صدموني

الأربعاء - 20 مارس 2024

Wed - 20 Mar 2024


بكل هدوء الغفلة كنت عائدة بالسيارة إلى المنزل عبر شارع مزدحم بالعربات والمارة.. وعلى وشك أن أنعطف يمينا في الشارع الجانبي، لتقوم سيارة جيب رمادية بالاصطدام بطرف زاوية سيارتي الخلفية.. خرجت لأرى من الصادم.. كان رجلا في متوسط العمر يرتدي سترة صفراء بلاستيكية.. تلك التي يرتديها مهندسو مواقع الإنشاء.. وبكل تهذيب وأدب بدأ في الاعتذار الشديد.. فانخفضت عندي كل بوادر الاحتدام واللوم.. وكل ما قلته معاتبة هو كلمة: ليش! رد معللا.. أن جواله سقط على أرض السيارة فمد يده ليلتقطه وخانته الفرامل.. كرر الاعتذار.. خاصة أنه لم يحدث شيء لسيارته سوى خدش بسيط بينما انبعج طرف الصدام الخلفي كاملا في سيارتي العزيزة.

أول الإرشادات في الحوادث هو التوثيق بالصور ومن كافة الزوايا.. لوحة السيارة.. الموقع.. مكان الصدمة في السيارتين.. الشارع.. يلي ذلك ألا تتحرك من مكانك.. لأنه أحيانا عندما تكون المرأة طرفا في حادث تتغير الموازين في تقدير الخطأ.. موازين المقيم للحادث إن كان رجلا أو امرأة.. واعتبارات جنس الصادم والمصدوم.. هذا هو المعروف في أوساط السيدات السائقات من تجارب سابقة.

وجدت نفسي أحدق إراديا في جوانب الشارع وتفرعاته متوقعة أن يكون هناك سيارة مرور أو دورية.. دون فائدة. وحان وقت مكالمة شركة «نجم» لمباشرة الحادث.. اتصلت هاتفيا على الرقم الموحد لخدمة العملاء 19903 وطلب مني عبر الرد الآلي القيام بما يسمى الخدمة الذاتية.. ولم تسعفني البتة الإرشادات للقيام بذلك.. بعدها قمت بتحميل التطبيق.. الإجراءات تتطلب منصة أبشر - نافذ - رقم تسلسل المحرك - تصوير أكثر من 10 صور وتحميلها... كل ما أحتاجه وقتها هو أن يجيب على الهاتف شخص ما ويأتي لنجدتي فورا. نصف ساعة مرت من المحاولات دون إمكانية التبليغ والتسجيل السريعة، وصل أحد أبنائي.. ومازلت لم أتحرك من مكاني.. والسيارات المارة.. ترمقنا شذرا وتبطيء لترى حجم الضرر.. بعض السيارات تتوقف وينزل أصحابها لينصحونا بالتحرك إلى جانب الرصيف تسهيلا لحركة المرور .. فنومئ برؤوسنا صبرا على المتطفلين.

كان علينا الانتظار طويلا حتى يصل مندوب الشركة ليباشر الحادث.. تخيلوا وصل بعد ساعة ونصف بالتمام والكمال.. شاب صغير.. في سيارة سيدان.. صرخ بصوت عال من خلف المقود طالبا أن نحرك السيارات إلى جانب الشارع.. تقدمت إليه عرفت نفسي وسألت: ألن تقوم بتصوير السيارات ولا الحادث؟ نظر مستغربا ومتأففا.. خرج بعدها ليقوم بما طلبت.. ثم حركنا السيارات.. طلب الأوراق الثبوتية بعد أن تأكد من سريان وثيقة التأمين.. ثم عاد إلى سيارته.. تركنا 10 دقائق ثم نادانا لتعبئة النماذج بوصف الحادث كتابة.. ثم رسم كروكي لمسار الحادث.. ثم التوقيع. تسلم الأوراق وقال: الحمد لله عالسلامة.. وأعلن أن الخطأ على الصادم 100%.. نبرة صوته ما زالت ساخطة كأنه مغصوب على هذا النوع من الوظائف.. وانتهى المشهد كاملا بعد 3 ساعات وأكثر.

أعلم أن أسباب الحوادث هو السرعة الزائدة أو الانشغال أثناء القيادة بالجوال، وأعلم أن عدم احترام قواعد المرور والتجاوز بطرق خطرة يمكن أن يسبب حالات تصادم، وأن التكاليف الاقتصادية وإصلاح ما تلف هو رحلة من المعاناة بعد الحوادث خاصة مع شركات التأمين. وأعلم أن دور الشركة التي تقدم الخدمات لما بعد الحوادث هو في تحقيق وتوثيق الحادث، ثم تأمين الموقع وتوجيه حركة المرور.. إلا أن تعقد الإجراءات وطول تنفيذها والتباطؤ في مباشرة الحوادث هي مؤشرات واضحة على مستوى جودة الخدمة المقدمة واحترافية الأفراد العاملين بهذا المرفق الحيوي. تقييم الأداء يكون لسرعة التجاوب مع البلاغات وحضور مندوب الشركة لموقع الحادث.. (10 دقائق كحد أقصى)، أيضا للحالة المزاجية للمندوب وأسلوب التعامل مع الأطراف المتضررة.. مع سهولة التبليغ وقدرة كافة شرائح المجتمع على الوصول للخدمة دون صعوبات أو تعقيد.

المفارقة أني استلمت رسالة بعدها لتقييم الخدمة.. وكتبت وشرحت وأوصيت.. للتعبير عن تجربة مزعجة لم يتم التعامل معها باحترافية.. شركة نجم تغطي 40‏ مدينة حول المملكة، بطاقم عمل ربما يفتقر إلى الخبرة والتدريب للتعامل في الميدان، فهل هناك قوى بشرية كافية لمباشرة الحوادث خاصة في مواسم الذروة؟ هل يمتلكون الخبرة الكافية والحيادية لتقدير الخسائر والأضرار وتسوية المطالبات والخدمات التأمينية. ولماذا يتأخر المندوب ولا يتنقل سريعا (عبر دراجة نارية مثلا) لتفادي الزحام المروري ولتقليل حجم تكلفة التشغيل.. أو دعوهم يتنقلوا عبر طائرات هيلكوبتر.. لماذا لم يأتني مندوب مبتسم يهدئ من روع الصدمة.. ويطمئن انتظاري عبر تسهيل الإجراءات وأنها ستتم على أكمل وجه من شخص متمكن.. لماذا كان علي أن أطلب منه ألا يصرخ من وراء المقود بصيغة الأمر.. وأن عليه أن يقوم بتصوير تفاصيل الحادث لتثبيت الوقائع.. خاصة وأنني المصدومة ويتحمل الطرف الآخر الخطأ كاملا.

ما أريد قوله إن على شركات القطاع الخاص في المملكة أن تواكب التطلعات المستقبلية عبر العمل وفق معايير عالية من الكفاءة، القطاعات المخصخصة أو التي تستعين بشركات القطاع الخاص (outsourcing) لأداء جزء من خدماتها، لابد أن تراقب جودة الأداء ومستوى رضا العملاء بفعالية؛ لأن التعامل مع الأفراد بعد الحوادث المرورية يعنى بتحسين جودة حياة المواطن والمقيم والزائر، كما أن الارتكاز بشكل كامل على الأتمتة والتعامل الالكتروني في حل المشكلات في القطاعات الحيوية التي تقدم الخدمات العامة قد يصيب جودة الحياة في مقتل.

صدموني والتجارب الأولى دوما دروس.


smileofswords@