عبدالله سعود العريفي

مهارة يمكن تطويرها

السبت - 16 مارس 2024

Sat - 16 Mar 2024


اشتكى بعد رجوعه من السوق وقد ألح عليه أحد البائعين في محل تجاري وطلب منه بإصرار شراء سلعة لا يفضلها ولا يرغب فيها ولا يحرص عليها فقام بشرائها مع أن ثمنها كان مضاعفا وسعرها مرتفعا ولم يستطع إظهار رغبته أو إبداء إرادته في عدم الشراء؛ فلديه ضعف في الامتناع عن القبول، وتدخل آخر مبينا بأنه أيضا يتحمل مهام ليست واجبة عليه في مجال وظيفته مع أعباء تزيد عليه باستمرار وهي فوق طاقته وقدرته ولا يستطيع تحملها؛ فلديه عجز في القدرة على الرفض وفقد للقوة في بيان عدم رضاه ونقص في توضيح عدم قبوله وضعف في قدرته على إبداء رأيه، وقال ثالث بأنه دائما يواصل الاستماع لشخص بتركيز شديد ويصغي له بانتباه كبير، ومع أنه لا يهمه حديثه إلا أنه يستمر في ذلك مع أن الوقت بالنسبة له ضيق ومحدود وغير متسع وأحيانا يكون لديه مواعيد أخرى إلا أنه يكون واقعا في مأزق صعب ولا يستطيع أن ينصرف فلديه ضعف في القدرة على إبداء الرغبة؛ فأجابهم من كان يستمع لشكاواهم قائلا: إن الإنسان في بحثه الجاد والمستمر عن ذاته وطبيعته وشخصيته وكيانه الفردي والاجتماعي لا يحتاج إلى مفهوم إيجابي عن الذات فقط ولكنه يحتاج في حقيقة الأمر إلى تأكيد ذاته وقدرته على التعبير الملائم عن أفكاره وآرائه ومشاعره في مواجهة ما يقابله من صعوبات وعوائق ومشاق وتحديات، وتردد الإنسان وتراجعه وإحجامه عن التعبير عن مشاعره بصدق وأمانة في المواقف المختلفة في حياته اليومية وعدم فهمه لتلك المشاعر من الأسباب الرئيسة لإصابته بالاضطرابات مما يجعله في حالة لا راحة فيها ولا استقرار ويسودها القلق والانشغال والانفعالات وشدة التأثر .

في الحالة السوية وعند قدرة الفرد على التوافق مع نفسه ومع بيئته وتحديده لأهداف للحياة يسعى لتحقيقها فإنه يفصح عن مشاعره تجاه هذه الأشياء وتلك الأحداث مما يجعله أكثر حيوية وفاعلية وتفاعلاً وتأثيرا وتأثرا، وقد يكتم الإنسان مشاعره ويكبتها ويخفيها مما يتسبب له في الأذى النفسي الذي ينتج عنه تذكر للحدث السلبي على نحو متواصل مع ظهور البيئة المحيطة في صورة غير مألوفة أو غير واضحة وعدم تأثره بما يدور حوله مع اتسام سلوكه باللامبالاة وجفاف المشاعر.

عندما لا يكون الإنسان قادرا على التعبير عما يختلج في صدره وعندما لا يكون قادرا على التواصل مع مشاعره بشكل صحيح؛ فإنه يكون عديم الحس ولا يعير الآخرين أي اهتمام ولا يتعاطف معهم وعندئذ فإنه يفقد السيطرة على منطقة مهمة جدا من علاقاته الشخصية مع الآخرين ويكون غير راض؛ فيصبح متضايقا ومتكدرا ويشعر بامتعاض وتكون علاقاته مع نفسه ومع الآخرين متوترة ويسودها الخلاف والخصام والتجافي وعدم التفاهم فتشتد وتصعب وقد تصل إلى مرحلة القطيعة والإساءة مع نشوء حاجة ماسة لديه إلى الهرب من عيون الناس ويصبح اقترابه منهم بحذر شديد.

لا شك أن تعبير الإنسان عن نفسه وإفصاحه عن مشاعره وإعرابه عن أقواله التي تفصح عن مراده وعما يجول في خاطره وما يرغب فيه ويريده ودفاعه عن حقوقه دون الإخلال بحقوق الآخرين والتزاماته نحوهم يعتبر مهارة يمكن تطويرها.