وليد الزامل

المدينة والصحة في رمضان!

السبت - 16 مارس 2024

Sat - 16 Mar 2024


يأتي العديد من النصائح الطبية والغذائية في رمضان في سياق يؤكد على أهمية التوازن في تناول العناصر الغذائية المفيدة للإنسان دون إفراط أو تفريط.

معظم هذه النصائح تشدد على أن التغذية السليمة وممارسة الرياضة عوامل حاسمة في بناء الصحة الجسدية.

ومع ذلك، تبقى هذه الممارسات الصحية كبرامج وصفية يمارسها الإنسان لفترة وجيزة ثم ينقطع أما لكونه غير قادر على الالتزام بمتطلبات هذا البرامج أو لعدم توفر الوقت الكافي أو لأي أسباب أخرى.

التساؤل الذي يطرحه الباحث الحصيف يتمثل في طبيعة ممارسة الرياضة من كونها نمط مؤقت نمارسه لفترة وجيزة أم نمط حياة دائم؟
في الواقع، تختزل الصورة الذهنية للمدينة لدى العديد من سكانها باعتبارها مجرد بناء مادي محض لتلبية الاحتياجات الضرورية للإنسان.

بعبارة أخرى، الأنماط المادية في المدينة غير قادرة تماما على التفاعل وتوليد أنماط حياتيه تؤثر إيجابا على صحة الإنسان ومعيشته سواء في شهر رمضان المبارك أو غيره.

فالأحياء السكنية تبدوا كبيئات رتيبة تتوزع بها الوحدات السكنية التي يتخللها الشوارع ثم الخدمات غير المترابطة.

ويغلب على الأحياء السكنية المساحات الإسفلتية والشوارع التي تصل عروضها إلى أكثر من 20 م؛ ومع ذلك لا تتوفر مواقف سيارات كافية مما يجعل هذه الشوارع غير قادر على استيعاب مرور أكثر من مركبة واحدة.

كما تفتقر بعض الأحياء السكنية إلى الساحات والميادين العامة، وملاعب أطفال أو أرصفة مشاة صالحة للمشي لجميع فئات المجتمع دون عوائق.

ويظل شهر رمضان المبارك بروحانيته مختلف وتغلب عليه أواصر التواصل الاجتماعي؛ لذلك يحاول بعض السكان استغلال الأراضي الفضاء لإقامة ملاعب كرة الطائرة أو فعاليات رياضية واجتماعية ويتنافس الأهالي في تقديم وجبات الإفطار الجماعية لتكون بمثابة الملتقيات الاجتماعية لسكان الحي.

كل ذلك يحدث بجهود من المجتمع في محاولة لتطويع البيئة العمرانية تماشيا مع الأنماط الحياتية للسكانية.

أما ممارسة الرياضة فهي تستلزم في معظم الأحوال خروج السكان من الحي السكني باستخدام السيارة ثم التوجه إلى ميدان مشاة عام، وهو ما يعني انتفاء الدور الأصيل للحي السكني في تنمية المجتمع.

إن ثقافة المشي والأنماط الحياتية الصحية للإنسان يفترض أن تكون جزءا من منظومة الحي السكني ليمارسها الإنسان تلقائيا دون الحاجة إلى وضع برنامج صحي أو اتباع نصائح الخبراء.

ليس من المنطق أن تخصص ساعة في رمضان لتمشي ذهابا وإيابا على مسار واحد بلا هدف! أن تقود سيارتك لتذهب إلى ميدان مشاة عام، ثم تمشي وتشعر بعدها بالتعب لتحتسي كوب قهوة مليئا بالسكريات بقيمة 20 ريالا أو تتناول وجبة غذائية سريعة مليئة بالدهون.

الحي السكني هو بيئة عمرانية جامعة وليس مجرد مكان للإقامة، فالسكان داخل الحي السكني يمكنهم العيش والعمل والترفيه وبناء العلاقات الاجتماعية في بيئة مستدامة تحقق الفرص المتكافئة للجميع بما تقدمة من بدائل في النقل، والإسكان، والخدمات تستجيب للتنوع الاجتماعي.

ما أعنيه باختصار، إن ممارسة الرياضة البدنية ليست هدفا بحد ذاته وليست مرتبطة بشهر رمضان أو غيره من الشهور؛ بل هي محصلة لأنماط حياتيه ناشئة من تخطيط البيئة العمرانية.

وهذا يقودنا في نهاية المطاف إلى أهمية إعادة فهمنا لوظيفة الحي السكني لابتكار هوية عمرانية تعكس الخصائص الاجتماعية والاقتصادية للسكان.


waleed_zm@