ذاكرة الإبل.. google maps

الأربعاء - 13 مارس 2024

Wed - 13 Mar 2024

مما يجعل المرء مندهشاً من الإبل ومستغرقاً في تأمّل عجائبها؛ أن لها قدرةً عالية في التذكّر وحفظ المواقف، إلى جانب إدراكِها للماديات والمحيط الذي تعيش فيه، ولا يمكن أن تنسى الناس حيث تعرف من أحسن وأساء إليها، وتُخزّن المواقف بينها وبين الآخرين فتصبح وفيةً للمُخلِص وغاضبةً على من آذاها.. ليكون ذلك مُحفِّزاً لعلاقةٍ عظيمة بينها وبين المجتمع.

وقد أوْكَل سكانُ الجزيرة العربية إلى الإبل مسؤولياتٍ تتعلق بصميم حياتهم وترتبط ببقائهم،وبدورها فقد أحسنت الإبل القيام بها وآزرتهم وكانت خيرَ سندٍ لهم، ومن أجل ذلك أطلقت وزارة الثقافة على العام الجاري مسمى "عام الإبل 2024"، للاحتفاء بقيمتها الثقافية والحضارية، ودورهاالأساسي في رحلات الاستكشاف وطلب العلم والتجارة، علاوةً على تحقيقِها الأمنَ الغذائي.

ومن ضمن ما دعّمت به حياة الإنسان؛ أنها تُرسِّخ في ذاكرتها المواقع والمسارات حين تَعبُر منها، وهذا يساعدها في العثور على مواطن الماء والطعام والعودة من ذات الطريق وهي سابِرَةٌ لأغواره وحافظةٌ لوجهاته. كما أنها تستحضر شخوصاًالتقتهم في الماضي كرعاتها ومُلّاكها، وتتعرّف عليهمخصوصاً من أصواتهم التي تشرّبتها بحاسة سمعها القوية.

وهناك عوامل جعلت الإبل ماهرة في حفظ الطرق كونها تُركّز على معالم المكان مثل الجبال والصخور؛ التي تساهم في تثبيت المسارات في ذاكرتها. إضافةً إلى أن تدريب الإبل ورعايتها يلعب دوراً في تعزيز قدرتها في ادّخار تجاربها واستعادتها متى احتاجت لذلك.

وتنتبه الإبل للرائحة وترصُدها وتحفظها كي تستحضرها لاحقاً وتتعرف عليها إذا شمّتها، وهكذا ساهمت في استقرار الحياة الاجتماعية قديماً، وأعانت المرتحل في سفره وخدمت المستقر في بلده، من خلال صلابتها وتحمُّلِها وصمودها في وجه الظروف، بالإضافة إلى مزاياها الخارقة حتى غدت خريطةً يُستدلُّ بها وإرثاً نفيساً يُعتزُّ به.