خضر عطاف المعيدي

النجاح والتيار المضاد

الثلاثاء - 12 مارس 2024

Tue - 12 Mar 2024

«الأخلاق مألوفات وعادات اجتماعية لا تخضع للإرادة الفردية».
-ابن خلدون -

يتألف المجتمع من عصب اجتماعية تشكلت وتآلفت ونمت وفق هدف محدد إما دينيا أو سياسيا أو فكريا أو غيرها من العناصر التي كونت هذا النسيج.

وحينما نتحدث عن المجتمع فلا نعني بذلك فقط المجتمع الإنساني بشموليته، بل قد يكون المجتمع ضمن إطار محدود يشمل الأسرة الواحدة أو مجتمع العمل أو الدراسة وما إلى ذلك من المجتمعات التي تشكل محيطها وفق هدف محدد والذي يعيش به الإنسان ويتفاعل معه في يومه.

ولكن لا بد أن نفهم بأنه وإن كانت لبنة المجتمع المصغر قد بنيت على هدف محددة فهناك اختلاف في تعاطي الناس لهذا الهدف والناس -كما قيل- فيما تهوى مذاهب.

والذي نرمي إليه من خلال هذا المقال هو كيف نبني مناعة اجتماعية يقوى بها الإنسان ويصمد في مواجهة الرياح العاتية، فبدون هذه المناعة سيسقط الإنسان عند هبوب أي تيار مضاد للأفكار أو القيم أو الشخصية.

ولابد أن نشير أيضا أن القيمة العليا التي تحيا بها الأمم تدور حول «منظومة الأخلاق» فمتى ما أصيب المجتمع في هذه المنظومة تهشم البناء وصعب ترميمه وقد قيل:

وكل جراحة فلها دواء
وسوء الخلقِ ليس له دواء

اختلاف الطبائع أمر لا مفر منه مجتمعيا وهو وجه من أوجه الأخلاق فالحياة خليط من ملائكة وشياطين ولابد أن تعرف الشياطين أولا كي تعرف نعمة وجود الملائكة، والحياة قائمة على مبدأ الثنائية فليل ونهار، وحر وبرد وخير وشر وجمال وقبح وما إلى ذلك والناس في ذلك متفاوتون؛ فالبعض لديه منسوب عال من الشر يفوق الخير والآخر على عكس ذلك، وقوة المناعة تكمن دائما في مواجهة الشر وسوء طبائع البشر التي تعترض سير الإنسان نحو هدفه.

وأكاد أجزم هنا بأن كل ناجح في الحياة إنما هو شخص لم يتلفت لكثرة الضجيج (الشرور) من حوله وإنما سار نحو هدفه بصمت دون أن يشعر به من حوله وذلك لأنه يعلم علم اليقين أن إرخاء الأذن للضجيج من حوله سيجعله يقف في كل خطوة يخطوها ليجد ما يبرر للمجتمع وذلك لأن هناك أفرادا في المجتمع قد نصبوا أنفسهم للانتقاص من الآخرين وهو الهدف الذي يعيشون من أجله وما ذلك إلا لأنهم لا يجيدون سوى «النقد» لكل ما حولهم، ولكن لتعلم عزيزي أن النقد بشارة جميلة لك إن كنت لا تعلم، فكل من ينتقد نجاحك وتقدمك إنما يرى فيك نقصه الذي لا يستطيع أن يجبره إلا بنقدك.

فلتقوى «مناعتك المجتمعية» بالنقد؛ فالناقد إنما يعرفك بنفسك وبأنك أفضل منه وأن نجاحك أشبه بمسمار غرسته في جرح لم يبرأ.

ولتعلم أنك وحتى في أوج فرحك ستجد من ينغص عليك فرحتك لا لشيء وإنما ليتفنن في تعكير فرحة كان يتمنى أن تكون له فلم يجدها فأجهد نفسه للنيل منك.

وتذكر دائما بأن من يؤذي مشاعرك سيكمل المسير وستبقى أنت من يتجرع الألم إن أرخيت أذنك لما يقول.

يعلم الجميع بأن التميز والبروز من بين الأفراد يجلب لصاحبه العداوات التي تنبع من الحسد حتى بين من هم صلب الرجل الواحد وما قصة يوسف وأخوته وقابيل وهابيل وغيرها ببعيدة عن إدراك المجتمع.

نعم فقد يجلب لك نجاحك عدوا كنت تحسبه قريبا بل وتجد أثر فرحتك بالنجاح على وجه كل من لا يريد لك ذلك فكأنما سففت وجوههم الملّ وما ذلك إلا لأن نجاحك مؤلم لهم.

فهل يتوقف الإنسان عن السعي نحو النجاح حتى يتجنب العداوة؟

والجواب لك أنقله من مقولة جميلة للفيلسوف جون شد حيث قال «المرفأ هو المكان الآمن للسفن، لكنها لم تصنع لذلك.»

وهي مقولة تحمل في طياتها كل معاني القوة والثبات والمناعة.

فخمودك عن السعي نحو الهدف كي لا تجلب العداوات أشبه بمن يريد الدفء في الشتاء دون أن يشعل النار خوفا من الحرق.

العداوة آتية آتية شاء الفرد أم أبى ولكنها تخمد متى ما أكمل الإنسان السير دون النظر للخلف، فالنظر للخلف يضعف القدم على المسير.

أخيرا، «سر النجاح» يكمن في التوكل على الله في كل الأمور ومن ثم الثقة اللامتناهية في قدرتك وفي وضع «قيمة» لذاتك لا تتأثر بانخفاض الأسعار ولا تتأثر بالتفاوض.. فهي القيمة التي يحيا بها كل صاحب مبدأ في الحياة.

وتذكر دائما ما قاله نيوتن: «الحياة قائمة على 99% من الجهد و 1% من الذكاء» أي أن محصلة الذكاء التي تحتاجها لتصل ما هي إلا نزر يسير والجهد والصيرورة والجلد هو ما يصنع نجاحك، ولعل أهم ذكاء يجب أن تتحلى به في حياتك هو «الذكاء الاجتماعي» -كما ذكر هاورد- فبه تقوى مناعتك ضد رياح نقد المجتمع العاتية وبه ستصل لدرجة من عدم الاهتمام بما قيل وما يقال وهي مرحلة عالية المرتبة يطلق عليها «اللامبالاة».