فيصل الشمري

«حالة الاتحاد» وترمب

الثلاثاء - 12 مارس 2024

Tue - 12 Mar 2024

عرض الإعلام الأمريكي خطاب حال الاتحاد الذي ألقاه الرئيس بايدن أمام الكونجرس في السابع من شهر مارس على أنه خطاب يستهل به حملته الانتخابية ضد الرئيس السابق دونالد ترمب في نوفمبر المقبل، وأن الرئيس بايدن يحاول تصوير نفسه على أنه مرشح الطبقة المتوسطة.

لكن من الواضح أن الأمر يبدو أمام الملايين من الأمريكيين من أن مستقبل بايدن الانتخابي في نوفمبر 2024 يعتمد على القدر السياسي لمنافسه دونالد ترمب، خصوصا لو تم الأخذ في الاعتبار الحجم الكبير للمشاكل الجنائية والسياسية والقانونية التي يواجهها ترمب أمام المحاكم الأمريكية.

كما لا يمكن إنكار أن الرئيس بايدن يواجه تحديات كبيرة لكي يضمن فترة ثانية في البيت الأبيض.

وفي هذا المضمار تشير استطلاعات الرأي العام الأمريكي بتفوق الرئيس السابق دونالد ترمب بعدة نقاط عن منافسه الرئيس بايدن في عدد من الولايات التي توصف بالمتأرجحة والتي يحتاج بايدن أن يكسبها حتى يضمن بقاءه في البيت الأبيض لأربعة سنوات مقبلة.

لماذا لا يستطيع الرئيس بايدن العبور إلى فترة رئاسة ثانية بسهولة؟ إن هناك نسبة 73% من الأمريكيين يرون أنه لا يستحق فترة ثانية بسبب تقدمه في العمر.

كما أن أحداث كثيرة كانت قد تمت في المحتوى السياسي الأمريكي قبل قيامه بإلقاء خطاب حال الاتحاد سوف تلقي بظلالها على مصير بايدن.

وأول تلك التطورات هو قرار المحكمة الدستورية العليا بإعادة كتابة اسم دونالد ترمب على البطاقة الانتخابية لاغية بهذا قرار المحكمة العليا في ولاية كولورادو بشطب اسمه من التذكرة الانتخابية.

معنى هذا أن للرئيس ترمب حقا راسخا في الترشح لأية منصب بدون أي اعتراض من أي محكمة أو سلطة إدارية موجودة في أي ولاية أو مقاطعة أو كيان ما في أمريكا.

ويستطيع ترمب وفقا لهذا الحكم أن ينافس على أي منصب سياسي يرغب في الترشح له.

حتى الآن لا يعلق بايدن على حكم المحكمة هذا بخصوص حق ترمب في الترشح، وما زاد الأمر حيرة هو التصريحات التي أطلقتها نائبة الرئيس السيدة كمالا هاريس مطالبة بوقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة.

أدى هذا إلى تراجع تصريحات المسؤولين في إدارة بايدن الذين أوضحوا أن المقصود من تصريحات نائبة الرئيس هو وقف إطلاق النار من جانب حركة حماس مع ضرورة قيامها بإطلاق سراح الرهائن المحتجزين لديها.

وبدون شك أن الرئيس بايدن استخدم لغة قاسية ضد ترمب.

وعلى الرغم من أنه لم ينعته باسمه إلا أنه كان يشير له دائما باسم «من كان يخلفني» كما وصف بايدن ترمب بأنه ينحني في خضوع للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ووصف بايدن هذا السلوك على أنه مشين وخطير وغير مقبول، كما طالب بايدن بإعطاء أوكرانيا السلاح والمال لمحاربة روسيا، وهذا يناقض موقف ترمب الموالي لموسكو.

كما قال بايدن «ليس من الإمكان أن تحب بلدك فقط لو كنت أنت الرابح»، كما اتهم بايدن ترمب بأنه أساء إدارة المجهود القومي لمكافحة وباء كورونا، وقال بايدن حرفيا، «إن من سبقني فشل في تأدية المهمة الرئيسة التي يطالبه الشعب الأمريكي بها ألا وهي أن يقدم لهم وسائل العناية».

ومرة أخرى وبدون ذكر اسم ترمب ذكر بايدن أن ترمب «يعين قضاة إلى المحكمة العليا والذين يتباهون بقدرتهم على إلغاء قانون حق المرأة في الإجهاض والذي صدر في عام 1973 والمعروف بقانون (رو ضد وايد) وبصورة عامة، فقد نجح بايدن في تصوير الجمهوريين وترمب على انهم يعملون ضد حرية الشعب الأمريكي.

ولخص بايدن هذا قائلا «لا أعلم بحق الله ما هي الحريات التي سوف يسلبونها بعد هذا؟».

لكن حتى الآن لم يستطع هذا الخطاب السياسي من قبل بايدن أن يمنع ترمب من كسب ترشيح الحزب الجمهوري لمنصب الرئيس، رغم إدراكهم حجم المشاكل الضخمة التي يواجهها ترمب والتي قد تضعه في السجن.

لكن كان رد ترمب «إن كل المشاكل التي يواجهها هي من صنيعة وزارة العدل الأمريكية. وهو يذكر دائما بأن لها دوافع سياسية وأنها نتاج تفسيرات ضيقة للدستور والقوانين في أمريكا. بل إنه يصف المحققين الفيدراليين بأنهم أصحاب دوافع شخصية للانتقام منه».

وكنموذج لمشاكل ترمب القانونية يمكن ذكر أن أحد المحاكم في مدينة نيويورك قد حكمت بضرورة أن يدفع غرامة قدرها 450 مليون دولار وهذا بسبب خسارته لقضية احتيال مدني، والتي كان سببها تقديمه لبيانات مزيفة حول حجم ثروته.

والأكثر سوء من هذا هو محاولات فريق المحامين الخاص به من تقديم مستندات خاصة باحتفاظه بملفات سرية في سكنه الخاص بولاية فلوريدا.

ويعمل محامو ترمب على تأجيل محاكماته بدعوى حصانته الشخصية كمواطن أمريكي وكرئيس سابق للولايات المتحدة.

لكن في يوم 25 مارس سوف تبدأ محاكمة ترمب بتهم محاولة رشوة ممثلة إباحية حتى لا تشوه سمعته أمام الإعلام مستخدما أموال مخصصة لأشياء أخرى.

ويجري الآن اختيار هيئة المحلفين الخاص لهذه المحاكمة، ومن الغريب أن هذه الاتهامات زادت من شعبية ترمب.

ويعتقد 66% من الجمهوريين بأن هذه الاتهامات ملفقة، وتشاركهم نسبة 33% من الديموقراطيين هذا الاعتقاد.

هذه نسب عالية في التعاطف مع ترامب.

في النهاية، من الواضح أن خطاب حالة الاتحاد سوف يخلق أوضاعا مختلفة في السياسة الأمريكية، وكل من بايدن وترمب سوف يسلكان منهجان مختلفان، يسعى بايدن لأن تعاقب المحاكم ترمب وتمنع فوزه من منصب الرئاسة، بينما سيحاول ترمب أن يثبت أن المحاكم ستكون في صفه وتحكم ببرائته وبالتالي يعود مرة أخرى للبيت الأبيض.

معنى هذا أن مصير السياسة والحكم في أمريكا يعتمد على السلطات القضائية وأحكامهم.

إن حال الديموقراطية الأمريكية هو ما ستقرره المحاكم فيما يتعلق بمستقبل دونالد ترمب.

mr_alshammeri@