شاهر النهاري

قائمة أفقر البشر على ظهر المستديرة

الثلاثاء - 12 مارس 2024

Tue - 12 Mar 2024

أي نهاية طرفية تستلزم وجود النهاية الأخرى المناقضة لها، ومهما تباعدت بينهما المسافات، ومهما تجاهلها البشر، بنقص الوعي وضجيج الأضواء.

وقائمة أثرى أثرياء العالم تدعو لتساؤل طرفي عن أفقر البشر الأحياء ولو كان ذلك المستحيل بعينه، فالتنافس على تلك القاعدة خلاط شديد التبدل، بسرعة فناء من يحتلون أفقر المراكز، بعشرات الملايين.

أغلبنا يعرف تفاصيل أوائل الطرف الأغنى من المليارديرات، نتابع أخبار ثرواتهم، ونحسب الفروق بينهم، نشجع المتصدر، ونحزن لنزول أحدهم عن قمته، ضمن مسابقة عالمية أبطالها عباقرة عيش بحبوحة متنعمة في دول قانون منفتحة تضمن أعمالهم الحرة، وتشجعهم وتحميهم، إزاء ما يهبونها من تقدم وسيطرة اقتصادية تقنية صناعية.

وعند نهاية كل سنة، تنشر مجلة فوربس الأمريكية قائمة ثروات مليارديرات العالم؛ وباستخدام مفاضلة وحدة التصنيف بالمليار دولار أمريكي.

نهاية سنة 2023، أعلنت المجلة عن قائمة ضمت 2640 مليارديرا وبثروات تقدر إجماليا بـ 12.2 تريليون دولار، وبتحفيز الأحلام كان بينهم 150 وجها جديدا عانقوا قائمة المليارديرات لأول مرة في ذلك العام.

وقد تصدرهم الملياردير برنارد أرنو وعائلته، ثم إيلون ماسك، فجيف بيزوس، فلاري إليسون، وكان الخامس وارن بافيت.

وعودة للنهاية الطرفية المعاكسة غير الجذابة، فهل يمكن تحديد الخمسة الأقذع فقرا؟

وما هو مقياس تصنيفهم المنعدم والسالب ماليا، والمصحوب بكوارث تردي الصحة الجسدية والنفسية، ونقص الغذاء، وتكالب الظروف القاتلة عليهم، وهم يعمهون في شبه غيبوبة تشكل لحظات حتمية الاحتضار الأخيرة!

ألا يجوز هنا أن نستخدم مسمى مكررا، الذي يناله الشطار في المدارس بتساوي الدرجات، فيصنف أحدهم بأنه الأول، ومن يأتي بعده يصنف بالأول مكرر؟ حيث يمكن وضع ملايين الجوعى في المرتبة الأخيرة مكرر، والتي يتبدل الإحلال فيها، بسرعة الفناء!

المرتبة الأخيرة تكتظ بالملايين، وفي الخمس مراتب الأخيرة، سنجد أكثر من مليار إنسان مطحون، وممن لم يغادروا حديدة فقرهم نتفة!

عالمنا الحالي يبجل ويباهي بتعاظم رأس قائمة الأثرياء، ولا يعير الإِملاق المريع في ذيل قائمة المعدمين.

أما سكان الوسط، فيظلون جشعين مرتعبين من الانزلاق لقعر الذيل، يعبدون الدولار ويجهدون ويحلمون أن تحملهم ضربة الحظ للقمة الحادة الشهيرة.

فقراء العالم شبه غثاء يفنى، ولا يبدو أن وعي معظم من يحلون فوق كراسي القمة الحادة يكترثون بتوسع الفارق.

والبعض النوادر منهم يهتمون ويبادرون بالأعمال الخيرية، ويبذلون، ولكن خلاصة خيراتهم لا تصل القاعدة الغامضة المنكوبة.

اللوم يدور على الألسن، فهل الذنب على الفقراء من يتوالدون بعشوائية اليأس والعجز؟ أم على دهاء وذكاء وجدية وحيل الأثرياء ممن يخططون ويعملون حثيثا يراكمون الثروات؟

معظم الأعمال الخيرية عالميا، ليست جادة ولا صادقة، وبعضها يستخدم للهروب من الضرائب، والرياء يحكم، والغباء والاتكالية تحدث.

حينما يقرر الأثرياء توزيع جزء من ثرواتهم للفقراء، يضعونها بأيدي أغنياء متوسطين، ممن يشفطون أغلبيتها في بطونهم، ثم يبصقون تفلة على الفقراء، وسط دعايات يبدعونها لتجميل صور المحسنين.

رمضان كريم علينا وعليكم، ويظل الخير الحقيقي هو ما يعطيه المحسن، لفقير يسكن بجواره، أو بعيد عنه، يد بيد، ودون واسطة تأكل أكثره.

يا أهل الثراء تذكروا من ينسدحون «محرولين» بقعر فرامة لحوم تعساء الحياة.

shaheralnahari@