عبدالله العولقي

الطفولة وميكافيلية التطبيقات الالكترونية

الاحد - 10 مارس 2024

Sun - 10 Mar 2024

تشهد سوق الألعاب الالكترونية في الصين منافسات محتدمة بين الشركات البرمجية المصنعة للألعاب المتطورة، وقد بلغ بها الحال تقديم الجوائز المالية للفائزين وأصحاب المراكز الأولى، هذه الحالة زادت عدد الساعات التي يقضيها الصينيون والأطفال تحديدا في ممارسة الألعاب الالكترونية، الأمر المخيف الذي أقلق السلطات الصينية هي إحدى الدراسات البحثية التي أفادت أن عدد الصينيين الذين يقضون ساعات عديدة في الألعاب الالكترونية يقترب من نصف سكان الشعب الصيني، هذه المعدلات المخيفة جعلت حكومة بكين تطلق صيحات الإنذار من خلال سن قوانين جديدة تستهدف الحد من إدمان سلوك اللهو والذي يأتي مقابل عطاء الإنسان الطبيعي في العلم والعمل والتربية والرياضة وهكذا، لا سيما ما يتعلق بناشئة الأطفال والشباب الذين يعول عليهم للمستقبل، ولا شك أن هذه القرارات كانت مزعجة لشركات الألعاب الالكترونية التي تكبدت خسائر فادحة من وراء تلك التشريعات الجديدة.

في باريس أيضا، أعلنت الحكومة الفرنسية عن تشريع قانون جديد يمنع الذين تقل أعمارهم عن 16 عاما من فتح حسابات خاصة بهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وتستهدف هذه الحملة التي تقودها حكومة الرئيس الفرنسي ماكرون إلى حماية الأطفال والناشئة من المحتوى الهائل الذي تتضمنه تطبيقات التواصل الاجتماعي ولا يمتلك الطفل حاسة التمييز بين المحتوى الجيد والرديء، بالإضافة إلى محاولة الحد من هدر وتضييع الساعات التي يقضونها في مشاهدة تلك المحتويات كخطوة صحية تأتي في سياق مواجهة سمنة الأطفال التي زادت معدلاتها في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى أمراض الرقبة التي استدعت فتح تخصصات وعيادات جديدة لمواجهة تلك الحالات الطارئة من جراء ادمان الأجهزة الذكية، وهناك أيضا حالات حديثة تتعلق باكتئاب الأطفال نتيجة لمشاهدة مقاطع الفيديو التي لا تتلاءم مع مرحلتهم العمرية، وتأتي هذه الإنتكاسة المجتمعية الطارئة من جراء الفجوة التي خلقتها التقنية بين العالم الافتراضي الذي بدأت تعيشه المجتمعات البشرية وبين الواقع الفطري الذي يتلاءم مع طبيعة الوجود الإنساني.

هذا الأمر قد يأخذنا إلى فهم سلوك شركات التقنية التي تتخذ المنهجية الميكافيلية شعارا مبطنا لها، فغاية الحصول على الأرباح الهائلة تبرر خلق هذا الواقع المجتمعي المأزوم، حيث بدأت المجتمعات البشرية تبتعد عن ممارسة سلوكها الفطري ضمن واقعها الاجتماعي الطبيعي لتقع في فخ عادات الإدمان ضمن العالم الافتراضي الذي تخلقه تلك التطبيقات والألعاب الالكترونية!
وحتى تتضح الصورة أكثر حول تلك الميكافيلية، نجد حجم الاعتراض والسخط الكبير الذي أبدته شركة ميتا بنسخها الثلاث: فيس بوك وانستقرام وواتس أب تجاه التشريعات الجديدة التي ينوي إقرارها حاكم فلوريدا الأمريكية حول منع الأطفال الصغار من استخدام تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي، كما تتضح الصورة أيضا من خلال شركة تيك توك الصينية ذات المعايير المزدوجة إن صح التعبير، فهي تلتزم ضمن سياق التشريعات المحلية بحماية الأطفال الصينيين من المحتوى غير الملائم لأعمارهم لكنها وللأسف لا تعبأ بأطفال العالم الآخرين، فهي تبث لهم مقاطعها الخوارزمية غير عابئة بمسؤولية الأعمار أو المحتوى، فالمهم هنا هو البحث عن ملايين الدولارات!

albakry1814@