حسن علي القحطاني

أهلا بكم في رمضان

الاحد - 10 مارس 2024

Sun - 10 Mar 2024

مبارك عليكم دخول شهر رمضان الكريم للعام الهجري 1445، لست واعظا وإن كنت أحب الواعظين؛ لذا سأجتهد في تجنب الحديث مثلهم عما تفقهون في مسائله.

أتوقف كثيرا عند بعض التأملات السامية في رمضان، جوع وعطش إرادي طمعا في ثواب الله، اختيار يذكرني بمن يجوع ويعطش مكرها لعوز وقلة ذات اليد أو مجبور لمرض عاث فسادا في الجسد، فالشكر لله والحمد، وإن كنتم من ذوي السعة فترجموا الشكر بسخاء إلى بذل للفقراء وإسعاد للضعفاء، وإغاثة لهفان، وما أكمل العطاء أن رافقه أدبه، فرب بسمة معه تجبر كسرة السائل، وكلمة طيبة تبذل لجار تحيي حسن الجوار، وبشاشة في وجه ذي الحاجة مع الاعتذار عنها؛ خير من قضائها مع التهكم عليه عند سؤالها، والمن عليه بعد نوالها.

رمضان بوابة عظيمة للصوم عن الحقد والغل والحسد، وفرصة لا تقل عظمة للانشغال بعيوب أرواحنا ومراجعة تقصيرنا في حق العباد ويسبقهم رب العباد، يفوز فيها من يدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، التمسوا لهم الأعذار، اغفروا ما مضى؛ فليس كل ما في الدنيا شر مطلق؛ حتى الموت!! قد يكون رحمة، ليكن شهر يشع منه الخير، ويعم فيه الحب والوئام.

والثانية، رمضان يساوي بين الجميع فلا يجوع فرد والآخر متخم بل يشترك الناس كلهم في الجوع وفي الشبع، يفطرون جميعا في نفس اللحظة، ويمسكون جميعا في ذات اللحظة، تراهم مثل جوارح الطيور قبل المغيب؛ كفاكم الله شر تلك الدقائق؛ منهم العائدون إلى منازلهم أو زائرون لمنازل غيرهم، ومنهم القائمون عند أبواب منازلهم أو في شرفات دورهم هربا من روائح الطعام المطبوخ والمقلي، فغصص البطون تثير الأعصاب بجنون، وما أن يصدح صوت أذان المغرب حتى تسمع أكثر كلمة تبعث السرور في بيوت الفائزين بالصيام بنغمة واحدة موزونة: (أذن... أذن...) كأن المسلمين يجتمعون على مائدة إفطار واحدة، وأن فرقت بين أقطارهم فوارق التوقيت؛ وحدتهم روحانية شهر الصيام وعاداته وبهجة الإفطار ورجاء القبول، فإذا فرغ الناس من طعامهم، أموا المساجد، فقاموا بين يدي الله صفوفا، لا فرق بين غني ولا فقير، ولا صغير ولا كبير، متراصة أقدامهم، ملتحمة أكتافهم، وجباههم جميعا على الأرض خاشعين للواحد الأحد، ثم ينتشرون بعدها، وما أن يزل ثلث المساء؛ يعودون هاجعين إلى بيوتهم يؤدون واجباتهم ويتمون ما نقص في نهارهم، يعدون ويستعدون لبداية نهار جديد طيب زاكي الرائحة، فأين تجد في الكون مثل هذه المساواة؟!!

أخيرا، شهر رمضان؛ يجمع للصائم صفات السمو كلها؛ عظمة النفس؛ سلامة الروح؛ صحة الجسم؛ وقبلها كلها رضا الله.

ولا تنسون أن المرض بالمرصاد، لمن نقص في الأكل أو زاد أو أهمل في العلاج، وأوصيكم أن تعيشوا مع صور رمضان الجميلة، ولا تشغلكم مرارة فراق الصورة الأخرى، كونوا ملائكة الخير في الأرض.

تقبل الله من الجميع صالح الأعمال وعفا عن التقصير.

دمتم ودامت لكم مواسم الخير.

hq22222@