فهد إبراهيم المقحم

ملف علاقي في زمن رقمي!

السبت - 09 مارس 2024

Sat - 09 Mar 2024

شهدت الرياض الأيام الماضية وقائع مؤتمر ليب (Leap 2024) التقني، والذي يعد الأكثر حضورا في العالم، حيث شارك في المؤتمر هذا العام، وعلى مدار 4 أيام، أكثر من 1100 متحدث، و1800 جهة عارضة، و600 شركة ناشئة، و215 ألف زائر من دول متفرقة حول العالم.

لا عجب أن تحتضن الرياض مثل هذا الحدث الضخم، فالمملكة اليوم تلعب دورا مهما ومركزا محوريا في عجلة التقنية والابتكار، إذ تعد الأكثر جذبا للشركات التقنية الرائدة، والأكبر تكتلا للمواهب الرقمية، والأولى في استثمارات رأس المال الجريء بالمنطقة.

لقد غمرني الشعور بالفخر والسعادة وأنا أتجول في أروقة هذا المؤتمر، 6 صالات مفعمة بالتقدم والإنجاز، و10 مسارح تزخر بالمعرفة الغنية والتجارب الثرية، وقاعات متفرقة للتدريب وعقد المنافسات بين المواهب والكوادر التقنية.

ولعلي من هذه المنصة الرائدة أبعث 3 رسائل:
الأولى: لقد حققت المملكة المركز الأول في مؤشر نضج الخدمات الحكوميّة الالكترونية والنقالة لـ2023، الصادر من لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) والتابعة لمنظمة الأمم المتحدة، محافظة على صدارتها للمرة الثانية على التوالي بنتيجة نضج عالية بلغت نحو 93%.

كما وصلت نسبة توافر وانتشار الخدمات الحكومية الرقمية في المملكة إلى 81%، وفقا لمؤشر تطور الحكومة الالكترونية الصادر عن الأمم المتحدة في 2022، مما أسهم في تحسين تجربة المستفيدين، وتعزيز الموثوقية والشفافية، وتقليص الأوقات والجهود والزحام والانبعاثات الكربونية الناتجة عن التعاملات الورقية والمراجعات الحكومية.

ومع هذا النجاح الباهر الذي وصلت إليه مملكتنا الحبيبة، بتوفيق من الله ثم بدعم قيادتنا الرشيدة، وجهود كوادرنا الوطنية، إلا أننا ما زلنا نسمع عجبا حيال بعض الخدمات الحكومية. فمثلا، يذكر لي أحدهم أنه اضطر إلى التنقل بين 3 مبان لإحدى الجهات الحكومية، للتصديق والتوقيع لإتمام خدمة واحدة.

والأعجب من هذا، حين ذكر لي آخر أنه اضطر للبحث عن ملف أخضر علاقي ليضع فيه أوراقه، وفقا لاشتراط الجهة التي يريد الاستفادة من إحدى خدماتها!

إن أتمتة الخدمات ما هي إلا خطوة أولى في رحلة التحول الرقمي، والتأخر عنها تأخر في الركب، وسبات تنموي لا عذر له.

فنحن اليوم نفاخر بقصص وطنية واعدة في تبني التقنيات الناشئة لدى كثير من الجهات الحكومية، وشتان بين هذا وذاك!

الثانية: شهد معرض ليب صفقات وإطلاقات عدة من شركات متفرقة، تجاوزت 13 مليار دولار أمريكي، شملت جولات تمويلية وصناديق استثمارية تقنية، أسهم فيها أكثر من 1600 مستثمر محلي ودولي.

كما أعلنت وزارة الحج والعمرة خلال المؤتمر، 30 فرصة استثمارية للمبتكرين والمطورين ورواد الأعمال، للإسهام في تحسين وإثراء تجربة ضيوف الرحمن القادمين من كل مكان.

وعلاوة على البرامج الوطنية المتفرقة لدعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة، أطلق البرنامج الوطني لتنمية تقنية المعلومات 5 مبادرات جديدة وفريدة، لتمكين الشركات التقنية الناشئة من المنافسة عالميا.

ولذا، لا عجب أن يصل حجم سوق التقنية في المملكة إلى 183 مليار ريال بنهاية 2023، بنسبة نمو تجاوزت 10% عن 2022.

وما هذه إلا لمحات وإشارات تؤكد أن المملكة اليوم أرض خصبة لإطلاق الشركات الريادية في قطاع الاتصالات والتقنية، وفرصة ذهبية للمبتكرين ورواد الأعمال الطموحين.

الثالثة: أنقلها لكم على لسان رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة (IBM) العريقة، السيد أرفيند كريشنا، مجيبا عن سؤال معالي وزير الاتصالات وتقنية المعلومات المهندس عبدالله السواحه خلال المؤتمر: هل من نصيحة ثمينة تسديها للشباب من الرجال والنساء؟

فأجاب: استخدموا فضولكم وتفكيركم، بغض النظر عن تخصصاتكم، للاستفادة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تطوير مجالاتكم وبيئات أعمالكم!.

وهي إشارة منه إلى أن الذكاء الاصطناعي اليوم يعد جزءا رئيسا في تطوير القدرات البشرية ودفع عجلة التنمية، ولربما نسمع غدا عن برامج تعليمية لمحو أمية الذكاء الاصطناعي بين أفراد المجتمع!

ومصداقا لهذا، تتوقع شركة (McKinsey) أن حجم سوق الذكاء الاصطناعي التوليدي عالميا سيبلغ 4.4 ترليونات دولار أمريكي، ولذا دخل كثير من الدول في سباق ساخن ومحمود لتبني التقنيات الناشئة، والاستفادة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي في دعم البشرية وتعزيز الاقتصادات المحلية والدولية. ووطننا المعطاء ـ بلا شك ـ يتربع على عرش هذه الدول، فنجد في المملكة أكبر مسرعة للذكاء الاصطناعي التوليدي، وأخرى للتقنيات العميقة.

كما أعلنت شركة أرامكو العملاقة في مؤتمر ليب عن عزمها، بالتعاون مع GROQ، لبناء أكبر بنية تحتية للذكاء الاصطناعي في المنطقة.

أخيرا، يأتي مؤتمر ليب وغيره من الأحداث الوطنية التقنية، تأكيدا على أن المملكة عازمة على المضي قدما في تنمية الاقتصاد الرقمي، وتعظيم أثر الاستفادة من الابتكارات والتقنيات في شتى القطاعات، ولذا الكيّس الفطن من استثمر هذا الحراك التنموي بتطوير قدراته الرقمية وتوظيفها، نحو تحقيق طموحاته والإسهام في بناء مستقبل وطنه.

moqhim@