وليد الزامل

المدينة وخطوة لعودة أصحاب الخطوة!

السبت - 09 مارس 2024

Sat - 09 Mar 2024

قيل في المرويات إن أصحاب الخطوة هم فئة من أصحاب الكرامات الذين يمتلكون قدرات خارقة على قطع مسافات طويلة في لمح البصر.

أصحاب الخطوة يمكنهم الانتقال من مكان إلى آخر أو الوجود في أكثر من مكان في آن واحد.

يُروى أن رجلا جاء إلى أبي العباس السبتي، وهو من أصحاب التصوف، وطلب منه المساعدة في الذهاب إلى المغرب في لمح البصر، فوافق أبو العباس السبتي، ووضع يده على رأس الرجل، وقال له: اذهب الآن إلى المغرب.

أحدهم كان لا يصلي الظهر جماعة فيغيب ساعة، فسألوه لماذا لا تصلي؟ فقال: أنا أصلي الظهر ولكن في جامع الرملة في فلسطين.

كما تروي الكتب القديمة أن رجلا من أهل اليمن كان في الصحراء، فرأى رجلا يسير بلمح البصر. سأل الرجل اليمني ذاك الرجل القادم بدهشة من أنت وإلى أين تذهب؟ فأجاب الرجل: أنا من أصحاب الخطوة، وأنا ذاهب إلى مكة.

أعجب الرجل اليمني بقدرة هذا الرجل، وسأله: هل لك أن تأخذني معك إلى مكة؟ فوافق الرجل، وحمل الرجل اليمني على كتفه، وذهب به إلى مكة في لمح البصر.

بغض النظر عن صحة هذه المرويات، فلا وجود لدليل علمي يفسر هذه الظواهر التي ما زال يؤمن بها البعض، إلا أن عودة أصحاب الخطوة اليوم باتت حقيقة ولكن بشكل آخر!

الجانب المكاني في المدينة بدأ بالانحسار شيئا فشيئا، مع تطور تقنيات العالم الافتراضي.

اليوم، يمكن للإنسان السفر من مدينة الى أخرى خلال استخدام الواقع الافتراضي، وهذه التقنية مع تطورها ستفتح آفاقا واسعة وخاصة في التعليم والصحة والاقتصاد والترفيه.

اليوم بات من الممكن إجراء العمليات الجراحية الدقيقة في أفضل المستشفيات العالمية عن بعد، بواسطة تقنيات الاتصال المتقدمة، فالجراحة الروبوتية عن بعد أصبحت رائجة أخيرا، ولا سيما مع ظهور تقنية الجيل الخامس.

أما في التعليم فالتوسع حاليا في نظام التعليم عن بعد أصبح خيارا استراتيجيا في كثير من الجامعات العالمية، بل يرى كثير من المتخصصين أن التعليم عن بعد سيصبح أحد أنظمة التعليم السائدة في العالم.

أصبح من الطبيعي اليوم أن تحضر ورشة عمل أو اجتماعا أو محاضرة عامة في مدينة نيويورك وأنت موجود بمدينة جدة في آن واحد؟ وعلى المستوى الاقتصادي أصبحت العديد من الشركات غير مرتبطة مكانيا في المدينة، بل تقدم جل خدماتها افتراضيا.

إن استشراف مستقبل المدن في عصر أصحاب الخطوة، يتوقف على طبيعة فهمنا للخدمات والبنية التحتية المستقبلية في المدن، فارتباط الإنسان بالمكان لم يعد ضرورة مع تطور التقنية والاتصالات المتقدمة.

بعبارة أخرى، يمكنك التمتع بكل الخدمات والأنشطة والمرافق الحيوية وأنت تقيم في قرية أو مدينة نائية، وهو ما يعني إمكان إحداث الهجرة العكسية من المدن الكبيرة الى المدن الصغيرة بسهولة.

كما يمكن للتشريعات العمرانية أن تلعب دورا مهما في استقطاب الشركات عابرة القارات، والاستفادة من العمالة الرخيصة والمدربة في الدول الأخرى.

إن انحسار الارتباط المكاني بالموقع سيؤثر على أنظمة النقل التقليدية، إذ تقل أو تنعدم الحاجة إلى مراجعة الدوائر الحكومية أو المؤسسات الخاصة، وتزدهر منصات العمل الافتراضية.

في عصر أصحاب الخطوة تنشأ مشكلات حضرية تتلخص في القدرة على تكييف الفئات الاجتماعية للدخول للأسواق الافتراضية، والاستجابة للفرص الوظيفية التي تتطلب مهارات غير تقليدية، مقارنة مع الفئات التي تمتلك المهارات الكافية للمنافسة.

باختصار، المتبقي خطوة لعودة أصحاب الخطوة!

waleed_zm@