محمد علي الحسيني

فقه الهلال

الثلاثاء - 05 مارس 2024

Tue - 05 Mar 2024

يعتبر الهلال من المسائل المهمة في الإسلام، فمن خلاله يتم تحديد بداية كل شهر في التقويم الإسلامي بناء على رؤية الهلال، وفي هذا يقول تعالى:

{يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج}، أي يسألك الناس يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار) عن العلة والحكمة من وجود (أهلة) جمع (هلال) ويعني القمر في الليلة الأولى والثانية من الشهر، والجواب: {قل هي مواقيت للناس والحج}.

ومن هنا تأتي أهمية البحث في فقه الهلال من حقيقة أنه يحدد بداية الشهور القمرية، من خلال مسألة التقويم والعبادات، بل الأحكام الشرعية المرتبطة بالأشهر القمرية، فمثلا، يعتبر صيام شهر رمضان من أهم العبادات في الإسلام، ويبدأ هذا الشهر برؤية هلاله، كما يحدد الهلال أيضا بداية عشرة ذي الحجة، وهو الشهر الذي يجتمع فيه الملايين من المسلمين في الحج إلى البيت الحرام في مكة.

طرق ثبوت الهلال وحجيته
تعتبر الرؤية المباشرة للهلال شرطا أساسيا في الفقه الإسلامي، وهو المسمى بالاستهلال، ويلحق بالرؤية البصرية الرؤية بالمنظار أو التلسكوب لصدق عنوان الرؤية عليه، قال الله تعالى في القرآن الكريم: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه}، ودلالة ومقصود شهادة الشهر إنما هو برؤية الهلال، ببلوغه وظهوره ورؤيته مما يفيد العلم بوجوده، عندها يستوجب ذلك حكما الحجة الشرعية ببدء فريضة صيام شهر رمضان، لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله صحبه الأخيار): «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما».

ودلالته وحجيته أمر واضح بأن مناط بداية شهر رمضان وبداية فريضة الصيام ونهايته هو ثبوت الهلال والعلم بوجوده عن طريق الرؤية -كطريق من الطرق للعلم أو كموضوع محصور للعلم محل خلاف ولكن القدر المتيقن هو رؤية الهلال- مما يستوجب العلم اليقيني. وإذا تعذر ذلك لأمر ما ينتقل التكليف من الرؤية المتعذرة إلى إكمال عدة الشهر ثلاثين يوما.

والطرق الفرعية الأخرى لثبوت الهلال تتمثل في حكم الحاكم بثبوت الهلال بواسطة اللجان الشرعية أو المراكز المختصة، والبينة الشرعية من خلال شهادة رجلين عدلين بالرؤية، والشياع المفيد للعلم، والتواتر المفيد للعلم بثبوت الهلال الموجب لليقين، إضافة إلى مضي ثلاثين يوما من الشهر السابق.

الاجتهادات في المبنى الفقهي للرؤية
في الأصل هناك اختلاف مشروع في المباني الفقهية بين الفقهاء بشأن كيفية تحديد بداية الشهر الهجري، فهناك من اتجه في الرأي ليؤيد استخدام الحساب الفلكي لثبوت الهلال لتحديد بداية الشهر الهجري عن طريق الحسابات العلمية والرياضية على نحو الطريقة التي تفيد العلم.

ويكون هلال الشهر مرئيا قبل غروب الشمس بفترة معينة، ويمكن حسابها مسبقا ويحصل العلم المطلوب بوجود الهلال من خلالها، ومثلا لو علم عبر الحسابات الفلكية أو ما شابه بأن الهلال سيولد الليلة يبني على حجيته ويحكم بأن غدا يكون أول شهر رمضان، والصيام فيه واجب.

أما بالنسبة للرؤية البصرية للهلال، فهي تعتمد على رؤية الهلال بالعين المجردة، ولكن مع التطور التقني لا تنحصر الرؤية بالعين المجردة، بل يمكن أن تتعدى إلى الرؤية بالمناظير أو التلسكوبات أيضا لرصد ورؤية الهلال عقب غروب الشمس، وفي حال تمت رؤيته من قبل شهود عدول وفق الشروط، يعتمد ذلك على مشاهدة الهلال الجديد بوضوح.

ونحن نرى على الرغم من وجود هذين الأسلوبين في تحديد الهلال، أنه ينبغي تفهم أن هذه مسألة ترجع إلى الاختلاف في المباني الفقهية، وأنها تتطلب تقديرا للاختلافات الفقهية والعلمية بين الفقهاء والعلماء. وعليه، يجب علينا كمسلمين الانتباه والاستعداد لرؤية الهلال في نهاية كل شهر والاستهلال عملا بالاحتياط، والجمع أولى، بل نؤكد على استحباب الاستهلال، لذلك ننصح بالتواصل والتنسيق دائما مع المحاكم والمراكز والهيئات واللجان الدينية الرسمية المعتدة للتأكد من رؤية الهلال.

sayidelhusseini@