شاهر النهاري

مطاعم التطلي بالباذنجان وأصابع الأخطبوط

الاثنين - 04 مارس 2024

Mon - 04 Mar 2024

في مدننا السعودية المطاعم غير، وكل يوم أعداد مهولة من المطاعم تبدأ عملها في السوق، وغيرها تنازع رمقها الأخير، أو تستعيد منافساتها بعمليات قص المعدة.

من منا لم يجرب مختلف المطاعم الجديدة، ولو في حدود سكناه، مما يشتهر بافتتاحه وسمعته، أو مروره بالغفلة؟

في الزمن القريب الماضي، كنا نتندر بأن كل أسرة افتتحت بقالتها الخاصة، لرخص العمالة، ومركزية توريد البضاعة، فلا تعود أكثر الأسر تشتري من بقالات الآخرين، وجحا أولى بمقاضيه!

ثم تعرضت البقالات لتنظيمات وغرامات وصعوبات، جعلت ملكيتها تضيق وتخص فقط من يستطيعون فتح سلسلة فروع، تهون عليهم التكاليف والرسوم والغرامات، أما البقالات اليتيمة، فتموت سريريا، مهما ربطوها بالأجهزة والأنابيب في غرف الإنعاش.

ووقتنا الحالي هو زمن تجارب المطاعم، بداية بهوجة «الفود ترك»، التي ملأت الشوارع قبل كساد صنعتها، وحيرة أصحابها وادعاءاتهم عدم التفرغ، والتحريج عليها حتى يشتريها مغامر مغمض، والمعضلة ليست فقط سيارة، ولكن ما يترتب على ذلك من عمالة وتكاليف وأذونات ورسوم وغرامات وهموم ونظريات مدفون الكستناء بالبردقوش!

وبعدها توجه مغامرو الصنعة لافتتاح المطاعم الثابتة، معتمدين على قروض البنوك وبرامج التوصيل ومفهوم الوجبات الطياري!

تجارة الطعام في السعودية عجلة تدور وتعتصر القلوب والجيوب، ويكون الخروج منها مؤلما، باضطرار المستثمر الشاب لبيع مطعمه بربع التكلفة، والمغامرون المتهورون كثر، ونظريات الموارد البشرية تجمل طرق إعادة التسويق، وتبديل المسمى والهوية والديكورات، والمعدات، والعمالة البديلة، وصنع قائمة طعام مدهشة لجذب الأنظار، مثل خلطة أوراك السلاحف بالتطلي والإقط!

حراك عظيم لا شك؛ فإيجارات العقارات ترتفع، وقروض البنوك تشفط، ومؤسسات الإنشاءات والتعمير تتشرط، ومحلات مبيعات الديكورات، وأدوات وأجهزة الطبخ والكهرباء، ومحلات الاستقدام تتبغدد.

معاهد إطلاق مارد القوة الكامنة وتدريب الشيف الأمثل، ومفاهيم الوجبة الكيتو ورجيم الموز، كلها تشفط دم المنكوب صاحب المشروع الحالم بشركة عالمية تأتي من الغيب لشراء ماركته وبراءة اختراعه، متحملا صعوبات الواقع والمهنة، حتى يبلغ جفاف ما بعد الهدر، مجبرا على التخلي عن نظرية الباذنجان بالتطلي، وإبدالها بلحم العصافير بالحنظل السكري!

مهرجانات مطاعم، والكل يجري في المضمار بافتتاح ثم إغلاق، وطموحات تهور بمكان متعدد الواجهات والأدوار، وتطبيق، وأجواء رومانسية وموسيقى، ومفاهيم دعاية جديدة، ربما يربح بعدها فترة وقبل أن يفيق متحسرا، وبعزيمة المغامرة بهامبورجر الضفادع مع ركب النمل بالهليون والحبحر، وبنسب تتحدى قدرات تذوق البشر، وربما تنتهي بخلط أضلاع البط بالزرنيخ!

ويأتي محلل اقتصادي يتفلسف بفوائد الفوضى الخلاقة، متناسيا سعادة البلديات وسلامة الغذاء بالغرامات، وافتخار وزارة التجارة بالحراك، دون إرشاد الشباب بإحصائيات عن تعداد المطاعم التي تنجح، وأسباب ذلك، ونسبة ما يتم إغلاقه بعد خسائر فادحة، وبالتالي يفتقد الشباب الداخلين في الصنعة دليل المعرفة لدقائق الأوضاع وتبين المتطلبات والشروط والغرامات، والتحذير من التهور قبل دخول سوق ملحمي يأكل أضلاع وكوارع غير المتمكنين على الريق.

نصيحة للمتجهين لتجارة الطعام، أن يثقفوا أنفسهم مجربين لا أطباء، وأن يحسبوها جيدا، وأن يتفرغوا للصنعة، حتى لا يطبخوا الخسارة في مرق الندم، ولا يضطرون لتقديم محشي القنافذ ببيض الحلزون، ولا يقلقلون السفرجل مع لحم الكنغر بأوراق الزيزفون بخولنجان الغرامات.

shaheralnahari@