حسن علي القحطاني

الأثر والخلود

الاحد - 03 مارس 2024

Sun - 03 Mar 2024

شيء لافت ذلك التباين الكبير بين ما نكون عليه عند الولادة، وبين ما نكون عليه عند الموت، المواليد كلهم أطفال من درجة واحدة، في المستقبل يختلفون؛ منهم من يقارع العظماء والمفكرين، ومنهم من يكون متخلفا ذهنيا أو مجرما أو منحرفا، وبينهم ناس عاديون ليسوا من هؤلاء ولا هؤلاء.

التوقعات والاحتمالات تتلاشى مع الأيام؛ ليصبح المجهول معلوما، وتتجه الأنظار والتوقعات العظيمة إلى أناس دون آخرين، رجال ونساء يغادرون هذه الحياة وهم أعلام، تعلقت بهم القلوب، ونطقت بالثناء عليهم الألسن، لم يكونوا أشخاصا عاديين في حياتهم، وإنما كانوا علماء أو فقهاء أو حكماء أو قادة، أو مبدعين، باذلين للمعروف ساعين في الخير، مثل هؤلاء يغادر الجزء الأضعف فيهم الحياة؛ الجسد، أما أفكارهم وأمجادهم ومآثرهم والسنن الحسنة التي سنوها والأيادي البيضاء المدودة لفعل كل خير، وصنائع المعرف التي أسدوها للناس، فهي أعمال باقية متأصلة في النفوس والقلوب، يخلدها أهل الوفاء بالثناء والدعاء عقودا بعد عقود، ولتتخذ منها الأجيال بعد الأجيال نبراسا للتأسي والاقتداء.

إن تسأل أين قبور العظماء
فعلى الأفواه أو في الأنفس
هذه هي فئة قليلة من الصفوة المختارة من عباد الله، أما السواد الأعظم من الناس فإنهم -مهما عاشوا- يمرون على هذه الحياة مرورا سريعا، وهم ما بين شخص يترك شيئا يندم عليه، وشخص لا يترك أي شيء!، ولا تمر سنوات قليلة حتى ينساهم القريب والبعيد.

أخيرا، هذا يعني لي وبشكل قاطع أن الذي يصنع الفرق بين الناس عند الموت ليس النسب ولا المال ولا القوة ولا السلطة ولا حب الظهور والأضواء والهتاف بل الاستقامة والعلم والأثر النافع وحب الخير للناس والمساهمة في إصلاح الأوضاع والأحوال ومد يد العون للمحتاج والنصيحة لطالبها.

كما يعني لي أن في إمكان كل واحد منا أن يسير في طريق العظماء من خلال الجهد اليومي الذي يبذله في المجال الصحيح وبالطريقة الصحيحة وبقدر الاستطاعة ليترك أثرا يذكر به.

وأيضا يعني رفض أن يحتقر الواحد منا نفسه، فلا يرض بالقليل من العلم النافع والعمل الطيب، فالكريم الجواد الغني الحميد هو الله، رب الأولين والآخرين، وقد يمنح للمتأخر شيئا حجبه عن المتقدم.

تذكروا دائما ساعة الرحيل، وخططوا جيدا ودائما لأن يكون ما يقال عنكم شيئا عظيما، ترجون ثوابه عند الله.
دمتم ودام أثركم الطيب.

hq22222@