منال عبدالله اللحياني

شنشنة نعرفها من أخزم

الاحد - 03 مارس 2024

Sun - 03 Mar 2024

شاهد أغلبنا اللقاءات الحصرية لزوجتي البغدادي وابنته، وشهدنا بيت العنكبوت القائم على الجواري وملك اليمين في «دولة الخلافة».

ورأينا قبلها شهادات قاطنات مخيم الهول في سوريا من مخلفات داعش وتركته البائسة، ورغبتهن في العودة للأوطان بعد أن تبين لهن خطأ التوجه الذي ينهجنه.

وتأكدنا أن الانجراف خلف الأفكار المتشددة - المنسوبة كذبا للدين الإسلامي والتي لا تواكب الواقع المدني المعاصر - لا تخلف إلا الندم والضياع لمعتنقيها وأتباعهم الذين تبعوهم إما جبرا، أو طوعا، خبثا أو سذاجة.

ما دفعني حقا لكتابة هذا المقال ليس موضوع داعش أو «دولة العراق والشام الإسلامية» بالتحديد، بل وجدت هذه اللقاءات كمدخل جيد لما أود لفت النظر إليه، ولربما أردت أن أخلق صورة ذهنية لأبشع النتائج لكل دعوة متطرفة تحاول اغتيال خطاب الاعتدال التي تتبناه المملكة العربية السعودية وتسعى لنشره.

ظهر منذ مدة ليست بالقصيرة -تقريبا منذ 2017 وربما قبل - ما يسمى ببرامج إعداد الجيل الصاعد للرد على شبهات الملحدين، والتي تنطلق من مقار خارج المملكة العربية السعودية ويقوم عليها عدد من المنتمين للحزب الإخواني الحركي وعدد من التكفيريين للحكومات العربية أصحاب النفحات الثورية المقيتة.

لا يخفى على عاقل أن مثل هذه البرامج إنما تهدف لتجييش من نفس النوع الذي كانت تدعو إليه داعش وكل دعوة متطرفة على شاكلتها، ولكن النسخة الجديدة هذه المرة تلتحف غطاء محاربة الإلحاد والرد على شبهات الملحدين.

قراءة سريعة في بعض مناهج هذه البرامج جديرة بأن يستوعب القارئ الأدلجة الضمنية التي يسعى إليها القائمون على هذه البرامج.

ففي أحد الكتب المقررة نجد الدعوة باستحياء -وربما استذكاء- إلى عدم الخجل من المنافحة عن جهاد الطلب والرق والقتال لنشر الدين الإسلامي كتصورات عقدية صحيحة لا تحتمل مزاحمة وتضييقا على ما يقوم به الخطاب المعتدل الذي يحاول «أسلمة الأفكار الغربية»، بل واعتبار أي خطاب كهذا انهزاما فكريا ناتجا عن تغير موازين القوى الثقافية.

والأدهى من ذلك، أن هذه المناهج
تروج ضمنيا وبشكل ذكي إلى اعتبار أي دعوة للتجديد المعتدل الذي لا يشمل المنافحة عن التصورات العقدية الأصيلة سابقة الذكر إنما هي دعوات مغالية ولو كانت تظهر على السطح الشعارات التسامحية، واعتبار القراءات المتطرفة للنصوص الإسلامية هي الدعوات الوسطية التي يجب ألا يخجل أحد من الدفاع عنها. كما ترسل مثل هذه البرامج رسائل للعقل اللاوعي بأن الاعتدال إنما هو موضة فكرية تعتمد على إعادة ترتيب المشهد الإسلامي وفق القيم الليبرالية العالمية!

المريب في هذه البرامج أنها لا تخضع لمراقبة من أي جهة فكرية أو وزارة معتبرة، بل وتستشهد بكتب أشخاص يحملون النفس الثوري على الحكومات، بالإضافة للرسائل الضمنية التي تنفث دخانها في طيات مناهجها.

ولا يخفى علينا جميعا أن بلادنا ومحيطنا العربي والإسلامي العام مر ولا يزال يمر بأزمات حقيقة مع المتطرفين ابتداء بزوبعة جهيمان مرورا بالقاعدة وفكر الصحوة المتشدد -الذي اشتدت وطأته إبان حرب الخليج الثانية- وانتهاء بداعش، فحري بنا أن نكون متيقظين وحذرين من أدعياء هذه الشنشنة التي تستهدف اطمئناننا وتريد سلب أمننا وهدم أوطاننا.