زيد الفضيل

الطاولة المستديرة ورؤية وطنية أخلاقية

السبت - 02 مارس 2024

Sat - 02 Mar 2024

ارتكزت الرؤية السعودية الطموحة والتي نسجت ملامحها بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز يحفظه الله، ووضع حيثياتها ويشرف على تنفيذها سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان يحفظه الله، على ثلاثة محاور رئيسة، يتفرع منها 96 هدفا استراتيجيا يتم تحقيقها عبر برامج الرؤية المختلفة.

وتهتم هذه المحاور بتأسيس مجتمع حيوي يستند على منظومة القيم الإسلامية، ومفاهيم تعزيز الهوية الوطنية، بهدف الوصول إلى حياة عامرة وصحية؛ كذلك تهتم بتنمية وتنوع الاقتصاد، وزيادة معدلات التوظيف، بغية تحقيق ما نصبو إليه من اقتصاد مزدهر؛ وتعزيز فاعلية الحكومة، وتمكين ثقافة المسؤولية المجتمعية، لبناء وطن طموح.

تلك مرتكزات الرؤية التي تم الإعلان عنها، وجرى العمل وفق أبعادها الاستراتيجية، وحقا هي مرتكزات عظيمة يمكن أن تحقق الغاية التي يصبو إليها سمو ولي العهد لجعل المملكة العربية السعودية في مصاف الدول المتقدمة، لاسيما وأننا على الصعيد المكاني والإنساني نملك الكثير مما لم نلتفت إليه ونهتم بتوظيفه التوظيف الأمثل.

وفي تصوري فإن القيمة الأولى التي قامت عليها الرؤية والتي تتمثل في بناء مجتمع حيوي يستند على منظومة القيم الإسلامية، هي ما يجب التركيز عليه ابتداء وانتهاء، لكونها المعيار الأول في نجاح بقية المحاور وأبعادها الاستراتيجية، إذ تمثل منظومة الأخلاق والقيم البعد الجوهري في أي عمل يتطلع إلى تحقيق النجاح بشكل كبير، ولهذا أرجو أن تتكثف البرامج لتحقيق ذلك عمليا، وضمن برامج تربوية وإعلامية وسلوكية.

هذا ما تنبهت له الطاولة المستديرة في البرنامج الثقافي لمركز الخليج للأبحاث، وهو مسار يستهدف تسليط الضوء على عديد من القضايا، ومناقشتها عبر مختصين، بغية وضع تصور عملي وفاعل لمعالجة بعض إخفاقاتها، وتعزيز إيجابياتها.

وكان ذلك ما استهدفته الطاولة المستديرة قبل أسبوعين بتسليطها الضوء حول «موسوعة الأخلاق والقيم العربية الإسلامية» والتي حررها وأشرف على صدورها الأديب والمفكر السعودي الدكتور مرزوق بن تنباك، وشارك في تحريرها قرابة 60 باحثا وأكاديميا من المملكة العربية السعودية والعالم العربي، وصدرت قبل عقدين تقريبا في 52 مجلدا بدعم كامل من قبل سمو الأمير مشعل بن عبد العزيز يرحمه الله، الذي تكفل بكامل نفقات المشروع ابتداء وانتهاء.

وواقع الحال فلم يكن الهدف من وراء عقد الطاولة المستديرة بمشاركة نخبة من المثقفين والمثقفات مناقشة حيثيات الجهد المبذول في الموسوعة، وما طرح فيها من منظومات قيمية، وإنما الاتكاء عليها وجعلها منصة ننطلق منها للإجابة على سؤال مركز وهو: كيف نسهم في بناء رؤية وطنية استراتيجية انطلاقا من منظومة الأخلاق العربية الأصيلة؟

ذلك كان هو السؤال الذي أخال أن الرؤية تستهدفه في بعدها الاستراتيجي، لتوجد مواطنا ومقيما ينطلق في سلوكه وتعامله مع الآخر من بعد قيمي وليس قانوني، بمعنى أن نصل إلى إنسان يلتزم بأخلاقيات الطريق على سبيل المثال إيمانا بذلك، وليس خوفا من ساهر مثلا؛ ويكون ملتزما بقيم النظافة في حياته العامة قبل الخاصة، فتراه يحافظ على نظافة شارعه ومدينته كما يحافظ على نظافة بيته ومسكنه.

وهو السؤال الذي بنت الطاولة المستديرة منهجها عليه، وخرجت بتوصيات مهمة بعد نقاش مستفيض من قبل نخبة من الأكاديميين والمثقفين والقانونيين والإعلاميين، وأحسب أن الجميع اتفق على أهمية تكثيف الجهود تربويا وتعليميا وبخاصة في السنوات المبكرة، وإعلاميا، وتنظيميا، إلى غير ذلك من التوصيات التي سيتم نشرها وإرسالها للجهات المعنية والمسؤولين الرسميين.

ختاما، إن ما يصنع الأمم ليس التقدم المادي وحسب، بل القيمة الأخلاقية، والاستيعاب الأمثل لفضيلة السلوك النقي، وهو الذي سيحقق النماء للوطن على مختلف الأصعدة، إذ سيكون في حساب كل واحد منا الحركة وفق منظومة القيم والتي منها الأمانة والصدق والوفاء وغير ذلك، ويكون مؤداها اعتبار الكفاءة أولا، وليس اعتبار القرابة والصداقة حال التوظيف، وفي حينه نكون قد حققنا مقولة: وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، مع اعترافي بأني وأمثالي قد يئس من إمكان تحقيق هذه المقولة، ولو تحققت لاختفى كثير من الإخفاق الذي نعيشه على الصعيد التعليمي والصحي وصولا إلى التخطيط العمراني للمدن الرئيسية، وأولها مدينة جدة التي تعيش أزمة تخطيط، وأزمة كوادر كفوءة تدير أمانتها، والله المستعان.


zash113@