فهد إبراهيم المقحم

سجل رقمي لمواطن عالمي!

السبت - 02 مارس 2024

Sat - 02 Mar 2024

شهدت الرياض الأيام الماضية أول مؤتمر عالمي فريد من نوعه، إذ يستضيف المؤتمر وعلى مدار يومين صناع السياسات وقادة الرأي والاستثمار لمناقشة الفرص والتحديات في مسيرة تنمية القدرات البشرية، وتأتي أهمية هذا المؤتمر من خلال تكامل الجهود الدولية في تعزيز بناء القدرات وتطوير الكفاءات لتحقيق الطموحات الوطنية والدولية.

لقت أدركت الأمم الناجحة عبر التاريخ أن نجاحها - بعد توفيق الله - يأتي من خلال الاهتمام والعناية ببناء الإنسان، فهو المفكر والمحرك لتوفير الممكنات وتذليل الصعوبات نحو تحقيق المستهدفات، وهو ما أكده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء - حفظه الله - في مناسبات متفرقة بقوله: كل عناصر النجاح موجودة لخلق شيء عظيم، وأهم عنصر لدينا هو الشعب السعودي.

في بداية مشوار برنامج تنمية القدرات البشرية، أحد برامج رؤية المملكة 2030، سعدت بالمشاركة في ورش الإعداد والتجهيز لرسم ملامح البرنامج ومبادراته، وقد أثرنا حينها فكرة رائدة وطموحة تتلخص في بناء سجل رقمي موحد لكل مواطن منذ ولادته ليكون مرجعا شاملا وموثوقا لمسيرته في بناء قدراته ومهاراته وسماته الشخصية.

سيكون هذا السجل عالميا بادرة فريدة من نوعها، ومحركا فاعلا في تنمية القدرات وتطوير الكفاءات، ومن أمثلة ما يمكن أن تقدمه هذه المبادرة من أثر جوهري ما يلي:

أولا: تعزيز قدرات المواطن ومهاراته من خلال تحليل بيانات سجله الرقمي باستخدام تقنيات التحليل والذكاء الاصطناعي (مثل: Edmentum’s Exact Path) واقتراح فرص التطوير والتحسين، ولذا يمكن للفرد ومن يعوله معرفة ماذا يجيد في شتى محطاته ومراحل عمره، وما ينقصه لردم الفجوة نحو تحقيق أهدافه وطموحه.

كما توفر تقنية المساعد الشخصي الذكي (AI Assistants) فرصة التعلم واكتساب المهارات على مدار الساعة ومن أي مكان بطريقة تفاعلية، فعلى سبيل المثال: تستخدم جامعة (Georgia Institute of Technology) برنامجا تقنيا كمساعد تعليمي استطاع أن يجيب على 10 آلاف رسالة أرسلت من قبل الطلبة في فصل دراسي واحد، بنسبة نجاح فاقت 97%، مما جعل الكثير من الطلبة يظنون أن من يجيبهم كائنا بشريا، لا آلة مبرمجة بتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي.

ثانيا: تعد هذه السجلات الرقمية كنزا مهما ومرجعا فاعلا في تقويم المنظومة التعليمية والصحية والاجتماعية والثقافية، من خلال تحليل مجموعها والوقوف على مكامن القوة والضعف، ومن ثم اقترح التوصيات لتحسين تلك المنظومات، بل يمكن أن تسهم في التنبؤ بالمتغيرات والاحتياجات المستقبلية.

ثالثا: يمكن لأدوات وتقنيات الذكاء الاصطناعي (مثل: Dreambox, Smart Sparrow, and Knewton) أن تلعب دورا مهما في اكتشاف الموهوبين من خلال تحليل السجلات الرقمية، وبناء مسارات تطويرية تتناسب مع قدراتهم المميزة؛ بهدف رفع مستوى قدراتهم وتوجيههم أكاديميا وعمليا في المكان المناسب لهم لتعظيم أثرهم في شتى المجالات والقطاعات.

رابعا: يمكن أن تسهم هذه السجلات باستخدام بعض الأدوات التقنية (مثل: Fetcher and Manatal) في تعزيز كفاءة الإنفاق والاستفادة المثلى من القدرات البشرية الوطنية من خلال توظيفها في المكان الصحيح نحو تحقيق المستهدفات والتطلعات المؤسسية والوطنية.

ومن الأمثلة العملية التي شاركت فيها ما أوردته في رسالتي لمرحلة الماجستير بجامعة ساوثهامبتون (A hybrid approach for expert finding in academic social networks)؛ إذ تمكنت مع الفريق البحثي من تطوير نموذج مبني على خوارزميات الذكاء الاصطناعي لاكتشاف الخبراء ومجالات خبراتهم من خلال تحليل السجلات الأكاديمية والبحثية لمجموعة من المختصين والباحثين في جامعات متفرقة.

خامسا: تحسين الإجراءات ورفع مستوى الخدمات؛ فهذه السجلات تعد بنكا وطنيا ومرجعا موثوقا لبيانات القدرات البشرية والكفاءات الوطنية، ولذا يمكن للمنصات الوطنية في شتى القطاعات الاستفادة من هذا البنك في تحسين خدماتها وتعظيم أثرها.

هذا غيض من فيض، وبالنظر إلى ما حققته مملكتنا الحبيبة من تقدم ملحوظ في تطوير البنية التحتية التقنية والخدمات الرقمية، كما ظهر جليا في النسخة الأخيرة من مؤشر الأمم المتحدة لتطور الحكومة الالكترونية، نوقن بأن لدينا القدرة الكافية - بإذن الله - لتحقيق هذه المبادرة وبناء سجل رقمي موحد يوثق مسيرة الفرد في تطوير قدراته ومهاراته وسماته الشخصية، ويسهم في تحقيق رؤية برنامج تنمية القدرات البشرية نحو بناء مواطن منافس عالميا.

moqhim@