وليد الزامل

حوار في التخطيط أم التبليط العمراني؟!

السبت - 02 مارس 2024

Sat - 02 Mar 2024

لماذا يجرنا الحوار العميق حول قضايا العمران وتنمية المدن لننتهي إلى أمور أقل ما يقال عنها أنها ظاهرية؟

لا أعرف لماذا يبدأ النقاش بشكل عميق حول أنسنة المدن أو تحسين المشهد الحضري أو الارتقاء العمراني لينتهي سطحيا إلى تحسين واجهات المباني، وتبليط شوارع المشاة، وتجميل الساحات العامة؟

لماذا يختزل البعض المدينة كصورة بصرية أو لوحة فنية إذا تم تلوينها تصبح جميلة وإذا بقيت بلا ألوان فهي قبيحة؟ إذا قمنا بتوسعة مسار المشاة واستغلال الفراغات وإعادة تبليطها وإضافة كراسي الجلوس فسوف نحل المشكلة.

وهكذا ببساطة، إذا قمنا بتحسين واجهات المحلات التجارية وإعادة طلائها واستخدام طراز بناء موحد فسوف نعزز هوية المدن.

لماذا نستحضر ذاك المبلط في كل قضية ومناسبة نتناولها حول المدينة؟

لقد تجاوزت منتصف العمر لأكتشف حقيقة لم أكن أعرفها مسبقا فمشاكل المدن تكمن في التبليط، والرصف، وإعادة زخرفة المباني والواجهات وهي من اختصاصات المبلط!

أتساءل هل حقا نحتاج إلى مخطط عمراني يرسم خطط استراتيجية للمدينة وتوجهاتها المستقبلية أم مبلط يعيد رصف وتلوين الشوارع؟!

لقد أشرت سابقا أن جوهر عملية التخطيط يكمن بفهمنا للموارد المتاحة وتوظيفها بشكل دقيق ضمن مسار زمني يتماشى مع الخطة الوطنية، فالإقليمية، ثم المحلية.

من هذا المنطق، فإن أنسنة المدن وتحسين المشهد الحضري وجودة الحياة كلها مصطلحات عمرانية يجب ألا تجرد من سياقاتها الجوهرية التي ترنو إلى تنمية الإنسان والمكان وصناعة مدن ترتقي بأساليب المعيشة وأنماط الحياة.

إن تحسين الجانب الإجرائي في المدينة يقود بالضرورة إلى استدامة الجانب المادي.

مهما حاولنا تجميل الإطار المادي للمدينة فلن نرتقي بالإنسان حال كانت غير مرتبطة باهتماماته وأعني بذلك الصحة، والتعليم، والاقتصاد، والرفاهية.

تمر المدينة بمرحلة مخاض مديد بين قوى السوق والاستثمار وبين قوى المصلحة العامة والخاصة يفترض أن تقود في نهاية المطاف إلى تطوير تشريعات عمرانية تحمي حقوق الفئات المستضعفة وتراعي التنوع الاجتماعي وتحافظ على استدامة الموارد وتضمن حق المشاركة للمجتمع.

إن التحسين المظهري للمدينة دون أن يتواكب مع تطوير الجوانب الإجرائية يمكن أن يقود إلى عواقب سلبية على المجتمع تؤدي إلى انتشار الفقر، والتهميش الاجتماعي، وارتفاع أسعار العقارات. وهكذا، فالإشكالية تكمن في مراحل صناعة القرار التنموي ومنهج التوفيق بين المصالح المتضاربة في المدينة وعوامل تحقيق العدالة بين الفئات الاجتماعية.

المدن يجب أن تلبي احتياجات المجتمع؛ بل ترتقي باقتصاديات السكان لتحقق فرص عمل، وتعليم متميز، وإسكان ميسر، ورفاهية.

يجب أن تعزز البنية المادية للمدينة الصحة العامة للإنسان ليعيش بسعادة بما تقدمة من أنماط عمرانية مستدامة تستجيب للتنوع الاجتماعي والتباين الاقتصادي وتعزز بيئة البحث والابتكار.
الجانب الجوهري في المدن أمر غاية في الأهمية؛ لأنه يقود إلى إنتاج البنية المادية ويتحكم في جودة القوالب التي يتم صياغتها للوصول إلى بيئات عمرانية تحقق الازدهار والرفاه الاجتماعي.

أخيرا، لو كانت مشاكل المدن في تحسين واجهات المباني وطلاء حاويات النفايات بألوان زاهية ومعالجة الحفر في الشوارع وإعادة تبليط أرصفة المشاة وتلوين الفضاءات العامة لإضفاء اللمسة الجمالية فلا داعي لعمل دراسات وبحوث في «التخطيط العمراني».

لو كان التعامل مع المدينة المعقدة بهذه البساطة فلا داعي لتطوير كوادر بشرية مؤهلة في مجال «التخطيط العمراني» ومن الأفضل لنا عندئذ التعاقد مع مبلط أو عامل طلاء لحل مشاكل المدن!


waleed_zm@