أمين شحود

ماذا يقول الميزان؟

الخميس - 29 فبراير 2024

Thu - 29 Feb 2024

فتح باب المصعد، ودخل معي شابان في مقتبل العمر يتجاذبان أطراف الحديث.
كان أحدهما يحكي لصاحبه عن تجربته في إنقاص الوزن، وكيف أنه تعلم الطبخ ليبتعد عن أكل الوجبات السريعة التي لا أدري لماذا سميت بـ "السريعة" رغم أن إعدادها قد يستغرق وقتا طويلا.
وكانت نتيجة ذلك أن وزنه نقص كثيرا، وعندما لاحظ أن صاحبه غير مقتنع قال: هكذا يقول الميزان!
تذكرت أيام صباي وفترة الدراسة الجامعية وكيف كنت نحيفا متناسق الجسد والشكل قبل أن تعتريني عوامل التعرية؛ لدرجة أن إحدى زميلات الدراسة كانت تشفق علي قائلة: أمين.. لماذا لا تأكل؟، ولم تعلم كم أكلت بعدها تأثرا بكلامها.
تعجبني أحاديث المصاعد التي لا بد أن تسمعها، وأحب مراقبة سلوكيات البشر قبل وأثناء وبعد دخولهم للمصعد، وإذا كان الشيخ الأديب علي الطنطاوي رحمه الله قد قال "إن الترام (عربات نقل ركاب داخل المدن شبيهة القطار) يكشف عن أخلاق الرجال وثقافة الأفراد والشعوب، فإن المصعد بدوره يستطيع فعل ذلك، ويعد فرصة لدارسي أنماط الشخصيات لاكتشاف المزيد من الطبائع والخصائص النفسية والسلوكيات البشرية المتنوعة.
فهناك من يطيل النظر في الموجودين، وهناك من تأثر بعلوم تطوير الذات ويريد أن يتعرف عليك وفق قاعدة الثلاثين ثانية، وهناك من يحشر نفسه مع الموجودين، أو يكون داخل المصعد فيتراجع خطوات إلى الوراء ليفسح للقادم الجديد فيعصر من خلفه!
قيل لحكيم: ما أكثر ما تخشاه في المصاعد؟
قال: أن أخيف القوم.
قيل: وما ذاك؟
قال: أن أعطس عطسة مفاجئة أو تنتابني نوبة ضحك لا يمكن إيقافها.
قيل: فما بالك لا تصعد على الدرج؟
قال: الكسل و"البريستيج".
ثم إن فكرة "حكم الميزان" أعجبتني فالميزان أصدق أنباء من الكتب ونظر الناس؛ لذا هرعت مساء إلى صالة رياضية لأرى ماذا يقول الميزان!
صعدت إليه واثق الخطى.. مترقبا للنتيجة.. لكنه لم يقل شيئا ولم يتفوه ببنت شفة، وكأنه أصيب بدهشة وخيبة أمل، وصار يتألم ويبكي ويتوجع، قبل أن يرأف بي ولسان حاله يقول: لا عليك يا حبيبي.. أهم شيء الأخلاق.