علي قطب

عملية التجميل الحضاري في رواية زينب عفيفي

الخميس - 29 فبراير 2024

Thu - 29 Feb 2024

صدر للمبدعة زينب عفيفي رواية "عملية تجميل" عن الدار المصرية اللبنانية، وهي تتحدث عن رغبة البشر في الاحتفاظ بشباب دائم في ضوء ما يقدمه العلم المعاصر من حلول للتعامل مع الجسد والملامح والطاقة. فتطرح الرواية قضية علاقة الإنسان بالزمن والصراع بين الأجيال خلال تمسك الكبار بحقهم في الاحتفاظ بكل مقومات حياتهم التي مرت في الشباب، في مقابل الجيل الجديد الذي يريد أن يجد فرصة مواتية لتحقيق نفسه، ينتج عن هذه العلاقة المعقدة نوع من التواصل المريض بين كبار يريدون الاستمتاع بالحياة، وشباب يجدون صورة سطحية زائفة لجيل عبر، لكنه استعاد ملامحه القديمة. هذه القضية تعالجها رواية زينب عفيفي واضعة سؤال التجميل أمام القارئ، لاستخلاص السمات الحقيقية الصادقة، التي يمكن الوصول إليها من مفهوم التجميل ومغزاه. هذه السمات تتمثل في مطابقة الشكل للمضمون، أو الصورة للمحتوى، والتوافق النفسي بين الظاهر والعمق، والقناعة بتعدد الوظائف والأدوار في ضوء المتغيرات التي تكرس للتنوع والتعدد والاختلاف.
تقوم الرواية على أربع شخصيات نسوية تجاوزت مرحلة الشباب إلى منتصف العمر، تعاني في السياق الاجتماعي من المتغيرات المحيطة بها في العمل والأسرة، لكن التمسك بالروح الإيجابية يظل قائما مع الصداقة واللقاء إلى أن تنتشر ظاهرة العودة للشباب، فتكتسب المدينة التي تحمل سمات عامة طابع المكان الشعبي الذي يعيش تجربة جماعية تفرض نفسها على كل من فيه، تذكرنا بما يحدث في الحكايات القديمة، حينما تتحول الأشياء إلى ذهب أو تعيش الشخصيات إلى الأبد في وقت ما، ويبدو أن الطابع الموجود لدى الإنسان في مثل ذاك الحدث الكبير المستند إلى مرجعية علمية يفرض على الناس اختيارات وهمية، لأنها تدفعهم جميعا في اتجاه واحد، فالنماذج الإنسانية تتماهى مع تجربة شاملة تصبح حديث المدينة، فتلجأ كل الشخصيات إلى ذاك الطبيب الماهر الذي يعدهم بحل مشكلة لا حل لها، فتقع الشخصيات في تلك التجربة الشكلية التي تمنحهم ملامح الزمن الماضي دون مرجعيته وثقافته وسياقه، ودون أن تكون لديهم القدرة على معايشة الزمن الجديد بالفعل، فيصاب الكبار بانتكاسة، ويصاب الصغار بالشلل في تعبير رمزي عن ضرورة وجود تفاهم حقيقي بين الأجيال من ناحية، وبين الإنسان وسياقه من ناحية ثانية، وبين الإنسان ونفسه من ناحية ثالثة.
تتميز الرواية بالسلاسة في الأسلوب، والتدفق الدرامي المحكم، الذي يقيم العلاقات بين شخصيات المدينة، ويحدد طبيعة تلك العلاقات بين نماذج من جيلين مختلفين، مع أن معظم فقرات الرواية تُقدم على لسان شخصية شريهان، التي تعيش منتصف العمر، فإن المستهدف من القراءة ليس جيلا بعينه، على العكس يمكن أن تكون الرواية موجهة للشباب بدرجة أكبر، لما تتميز به من حضور لشخصيات تمثل جيل الشباب، أو للعرض الواضح والتفاصيل التي تقارب الحكي الشفهي، والصفاء النفسي الذي نشعر به داخل الشخصيات التي تمتلك درجة من الشعرية والنقاء يظهر في انفعالاتها، وصدقها في محاولة التفاهم، تتجاوز الرواية النمطية في خطاب الحكي خلال تقنية تعدد الرواة، فتتخذ نسق البوليفونية أو تعدد الأصوات، وهذه التقنية باستعادة الزمن فكأن السرد إحدى وسائلنا المهمة في الاحتفاظ بشباب دائم داخل الحكايات، بما يغذي الخيال عن طريق جماليات التذكر.
وتتكون الرواية من عشرين وحدة قصصية، وكأن الرواية ستقف عند سن العشرين، لو نظرنا إلى الرواية بوصفها فتاة لديها جمالها الخاص الذي يتجاوز نزق المراهقة، ولا يستهلك نفسه في تقليدية الحياة المتكررة، إنه العام العشرون، رمز الجمال الصافي بداخل كل إنسان مهما كان عمره.