ياسر عمر سندي

التسامح الالكتروني

الأربعاء - 28 فبراير 2024

Wed - 28 Feb 2024

من كل عام وفي مثل هذه الأيام ألاحظ ذلك التراشق من رسائل الجوال بعبارات التسامح المكتوبة والتي تتسارع وتيرتها كلما اقتربنا من شهر رمضان سواء كانت تلك الرسائل على المجموعات أو بصفة فردية وبعبارات استعطافية مثل «أنا سامحت كل من أخطأ علي» أو «سامحوني أرجوكم قبل دخول الشهر المبارك» أو «اللهم أشهد بأني سامحت الجميع» أو «سامحوني.. لم يتبق على رمضان سوى القليل فمن يحمل في قلبه أي شيء...إلخ».

موسم رسائل التسامح الالكتروني أرى أنه تناسخ معد يتناقله البعض فقط لمجرد قذف الكرة والتخلص منها أو ما يسمى رفع العتب بكلمات تخلو من المشاعر وكتابات مزيفة جوفاء خالية من المصداقية لا تلامس القلب؛ يتم إرسالها من البعض وحذفها من البعض الآخر دونما قراءة أو تعقيب وإن حصل الرد يكون على مضض بأسلوب هذه بتلك.

وردتني رسالة قبل عدة أيام من صديق مقرب وعزيز على قلبي أرسل لي عبر تطبيق الواتس أب يطلب مني السماح؛ بنفس محتوى وأسلوب رسائل الاستجداء المذكورة؛ فما كان مني إلا أن بادرته باتصال مباغت؛ وفور رده وبدون أي مقدمات قلت: أسامحك على إيش؟
رد بكلمات ملؤها الضحك يابن الحلال لا تدقق خذ وخل رسالة جاتني حولتها عليك.

من هذا المنطلق إن لم نفهم ما وراء التسامح وماذا يعني مضمونا وغاية فنحن مازلنا مستهلكين مرددين كببغاوات للكلمات والعبارات؛ لا يتعدى الأمر أصابعنا التي تلامس أجهزتنا الذكية ولا ترتقي لأحاسيسنا المشاعرية ونحن ننسخ ونلصق ونرسل ونحول بلا إدراك ووعي يرسخ لدينا ذلك السلام النفسي والارتياح المشاعري والسكون الداخلي الذي يتركه التسامح الحقيقي بدواخلنا.

التسامح فلسفة أجدها تنقسم لكلمتين.. أولا التسامي أي الارتقاء والترفع، ثانيا المحو أي المسح والإزالة لما علق بالنفس من خبث الأخطاء والتجاوزات البشرية في حق الغير وفي حق أنفسنا قبل ذلك.

عندما يتم ارتكاب الخطأ بحق الآخر أمام الملأ ومن ثم يطلب منه التسامح في سطرين على عجل ترسل بلا يقين ولا تفهم لمدى الألم الذي تسبب به المخطئ يعتبر سرابا وهباء منثورا؛ فمن المفترض أن تتم المبادرة بطلب المقابلة أو على الأقل الاتصال الذي يعبر عن المصداقية والوضوح ليستشعر الطرف المقابل مدى التقدير والقيمة المعنوية؛ وإلا فإن التسامح يشبه استراحة ما بين الشوطين ليعود الفريقان للتنافس غير الشريف ويستمر ما بالنفس عالقا ومغطى بالضجر والحذر.

التسامح يتطلب المواجهة والاستشعار بالاعتذار والتعهد بعدم التكرار إذا كنا صادقين بالتسامح الفعلي وليس الالكتروني حتى نصل إلى استيعاب قوله سبحانه وتعالى «إلا من أتى الله بقلب سليم».

همسة مدوية:
قبل أن تطلب التسامح كن شجاعا راقيا واعيا بذاتك حتى تتخلص من ذلك العبء عن كاهلك.

Yos123Omar@