عبدالله سعود العريفي

هوس الشراء

الأربعاء - 28 فبراير 2024

Wed - 28 Feb 2024

بعد نهاية يوم عمله وأثناء فترة راحته بعد عودته إلى منزله، دخلت عليه زوجته وقد أحضرت له القهوة وتوابعها، وسألته عن يوم عمله وكيف كان؟ وهل هو مرتاح؟

رمق إليها النظر وأدامه وكأنه يعرف ما تخفي ويعلم ما تخبئ ويدرك ما تواري، وقال: سؤالك عن عملي اليوم غريب واستعلامك عن أوضاعي غامض واستفهامك عن أحوالي غير مألوف.

قالت: لي طلب عندك وهو هين وسهل يسير، رأيت معطف فرو جلده حريري وله فرو ناعم جدا بثلاثين ألف ريال فقط لا غير و... فتدخل زوجها معترضا وقاطعها ومنعها من الكلام وفرض الصمت والسكوت وقد عبس وتجهم وشعر بانقباضات حول العينين والجبين واكفهرت ملامحه وتغير وجهه وتربد من الغضب وتغير لونه واعترته حالة من الانفعال الشديد كانت مصحوبة بحركات تعبيرية كادت أن تكون عنيفة وقال بحدة وبنبرة قوية: فرو بهذا الثمن؟

لزمت الزوجة الصمت وقد سالت دموعها بغزارة من عينيها وتساكبت بكثرة على خديها وبدأ صوتها في الاختناق ونبراته في الاختفاء وهي تجد صعوبة في التنفس والبلع والكلام وقالت بارتجاف وبصوت متهدج وبنبرة تتقطع في ارتعاش: لا أقدر على مقاومة رغبتي في شرائه، أحس بانقطاع تنفسي وانعصار حلقي.

رد الزوج: الحالة خطيرة والوضع لا يحتمل، لا بد لك من العلاج العاجل حتى الوصول للشفاء الكامل؛ فأنا أظن أنك تعانين من هوس الشراء وهو نوع من الإدمان ويحتاج - بلا شك - لعلاج نفسي.

من الطبيعي أن يتسوق الإنسان لشراء مستلزماته الأساسية ومتطلباته الضرورية وحاجاته اليومية؛ ولكن ذلك كله يكون باتزان وكبح لجماح الأهواء وضبط للرغبات وباعتدال وبدون إسراف أو تبذير أو تبديد أو إنفاق للمال فوق ما ينبغي أو صرفه على نحو متجاوز للحد.

أما عندما يكون ذلك مجرد تسوق لتضييع الوقت وهدر الأموال أو الفرار من المواقف العصيبة أو تحاشي المشاكل والصعوبات وتجنب المزاج السلبي والسعي وراء المزاج الإيجابي؛ فهنا يتحول الموضوع من الشراء الطبيعي إلى ما يعرف بهوس الشراء أو الشراء القهري، وهو يعتبر أحد اضطرابات التحكم في الاندفاع وعدم القدرة على السيطرة أي فشل مقاومة الإغراءات والدوافع.

ويصبح الشراء قهريا حينما يقتني الإنسان سلعا ويسعى للحصول على بضائع وتملكها بشكل مستمر وبصورة دائمة مخصصا مبلغا ماليا كبيرا من شأنه أن يسبب فقدانا لمدخراته ويحدث خسائر للميزانية الشخصية أو الأسرية، ويظهر عادة بعد تلك المتعة المؤقتة شعور بالذنب على شكل ألم نفسي داخلي على هيئة حوار بينه وبين نفسه وقد يدفعه ذلك لكي يواجه تلك المشاعر ويخفف من حدتها إلى اللجوء إلى الشراء من جديد.

هناك بعض الأسباب المؤثرة التي من الممكن أن تحدث اضطراب الشراء القهري أو هوس الشراء والتي هي ليست باليسيرة وإنما هي معقدة ومتشابكة ومتداخلة ومترابطة وتتحكم فيها عوامل مختلفة وتسهم فيها أطراف عديدة، كما يرجع إلى الثقافة الاستهلاكية والتي تتسم بالتحول المستمر والسريع وتدفع الإنسان دفعا إلى الاستهلاك والركض بشكل سريع خلف طموحاته بغض النظر عن الفوائد الفعلية المتحققة من ذلك وقد تكون تشعره بأنه جذاب ويستقطب الانتباه ويجلب إليه الأنظار أو أن تلك السلعة تجلب له حالة من الارتياح التام والشعور الداخلي العميق بالرضا والقناعة والسرور والانبساط.