شاهر النهاري

سيرة الحب السعودية الأمريكية

الاثنين - 26 فبراير 2024

Mon - 26 Feb 2024

لم أكن أتوقع أن تقفز أم كلثوم فوق الفواصل والشاشات ووجوه الحاضرين، بإحدى أغنياتها أثناء حضوري لورشة عمل «تعزيز الحوار الأمريكي العربي»، للمتحدث الرسمي للحكومة الأمريكية، سامويل وربيرج، على جانب مؤتمر الإعلام في الرياض.

«ياللي ظلمتوا الحب، وقلتوا وعدتوا عليه، قلتوا عليه مش عارف إيه».

ورشة تناقش الاستراتيجيات، التي تستخدمها حكومة الولايات المتحدة للتعامل مع وسائل الإعلام، وسبل التعاون البناء، لممارسة التواصل الفعال ومناقشة القضايا المهمة، وتعزيز التفاهم المتبادل مع الصحفيين العرب بتعيين ناطق باللغة العربية لأداء تلك المهام، حتى ولو كان يسكن في دبي، ويأتي للسعودية الدولة المحورية المركزية في زيارات!

ورشة تحكي عن استراتيجية التواجد باللغة العربية، ولم تتطرق مطلقا لحساسية المواقف بين البلدين في مراحلها الأخيرة والحالية.

سيرة الحب السعودية الأمريكية طويلة عريقة، صاحبتها أحداث دولية جسام، وكانت أفضل مثال للصداقة والشراكات المفيدة للطرفين، ولكنها تذبذبت مؤخرا، وبما يدعو للحيرة، ويحتاج لأكثر من وجود ناطقين عن أمريكا بلغتنا العربية؟!

العلاقات الصادقة الوطيدة بديهة شرفية راسخة، تصل للقلب بأيسر وأجمل الوسائل ومهما كانت اللغة المستخدمة، وحتى ولو حدث سوء فهم، فالمحبة بين البلدين كفيلة بمسح الغلطات، وتعديل الأوضاع، وتفهم التباينات بمحمل الخصوصية، التي تحترم وتؤصل لعلاقات أكثر وضوحا ومتانة، وبمسار نهج قويم جلي لا يعود يختلف، كلما انتخب رئيس جديد للبيت الأبيض، ولا يتلون وسط الفترة الرئاسية الواحدة.

«أهل الحب صحيح مساكين»، ففي العصور القديمة وعندما يحتاج سلطان دولة للتواصل والتفاهم مع سلطان دولة صديقة، كان ينتخب الرسول المناسب الذي يتحدث اللغتين، معولا على لسانه وحنكته وحكمته وخبراته، لإيصال شفيف معاني ما يريد تأصيله من الشؤون والمشاعر، وأن يصلح ما تردى، ويقوي ما تعطل، وحتى ولو بعث معه بخطاب مكتوب، فهو يعتمد على حنكة رسوله أكثر، كونه الأقدر على مسح أي خلل أو سوء فهم لا يفسره الخطاب.

ولكنا اليوم في عالم القرية الصغيرة، والنقل المباشر بالصوت والصورة واللحظة، والترجمة الفورية بكل اللغات، ولم يعد الرسول جذريا، كون إشارات الدبلوماسية على الصديق شاهد، ومجرد الثقة بمواقف الدولة الصديقة، يقدم الأعذار لأي تراخ، عن التواصل والدعم والحماية، وجميع ما تقتضيه المصالح والدبلوماسية السياسية.

إذا كان سبب بعض التراجع في العلاقات مجرد اختلاف لغة الناطق الرسمي، فهذا أمر بسيط، ويمكن معالجته بسرعة الذكاء الاصطناعي، أما إن كانت أسباب التذبذب مجهولة، ولها من خلف كل موقف مأرب، فهنا لن يعود الرسول ينفع في التحسين، مهما كان حاذقا، أو كلثوميا يشدو بأعرق نغمات التخت الشرقي.

المطلوب من أمريكا إثبات معدن صداقتها مع السعودية، وبنفس نهج الملك عبدالعزيز والرئيس روزفلت، والتي استمرت بعدهما متوافقة قريبة طوال فترات حكم عدد من الملوك، والرؤساء، ودون أن تصاب بأي تعثر أو تعطل.

النوايا يجب أن تكون متواكبة مع الأفعال، والخط الرئيسي الإلزامي للحكومة، لا يجب أن يتذبذب بالظروف، ولا بتغير الحكام، ولا بعدم وجود لسان الرسول الحكيم.

خرجت من الندوة، التي منعت فيها الأسئلة، وأنا أقاوم ترنيمة ظلت تتردد على ذهني «العيب فيكم، يا في مراسيلكم، أما الحب يا روحي عليه!»

shaheralnahari@