عبدالله العولقي

إيمانويل تود وهزيمة الغرب

الاحد - 25 فبراير 2024

Sun - 25 Feb 2024

أحدث كتاب هزيمة الغرب للكاتب الفرنسي «إيمانويل تود» ضجة واسعة في الأوساط الثقافية الأوروبية والأمريكية، حيث أطلق المؤلف صيحة الإنذار الأخير للحضارة الغربية، وقد جعل تود الولايات المتحدة هي السبب الرئيس وراء كل هذه الأزمات العالمية من وجهة نظره.

يرى إيمانويل تود أن الغرب اليوم على فوهة بركان، فالعنصر الرئيس في الثقافة الغربية هو الدين الذي يتراجع ثقافيا وسلوكيا كما يرى تود بسبب سياسة التصفير، ويضرب لذلك مثالا بسياسة تصفير الزواج تبعا لانتشار ظاهرة زواج المثليين بعد إقرار قوانين هذا الزواج والدعم السياسي الذي يحظى به، فهذا الأمر قد تسبب بصورة مباشرة إحداث قطيعة مع الدين الذي يمثل المكون الأساسي للحضارة الغربية، وبانهيار العمود الفقري تنهار بقية مكونات الحضارة والقيم.

نقطة مهمة أخرى توقف عندها تود في كتابه وتتعلق بعزلة الغرب أيديولوجيا، فقد مارس الغرب سياسة إملاء القيم على العالم ومحاولة فرضها عليه كمنهجية الديمقراطية مثلا، وخصوصا على دول العالم الثالث كأفريقيا وأمريكيا اللاتينية، وبالتالي توهمت أوروبا أن تلك الدول ستصطف معها ضد روسيا لكن العكس هو الذي حصل، فقد نشطت العلاقات الدبلوماسية بين أفريقيا وأمريكيا اللاتينية مع روسيا، وهذا مؤشر صارخ كما يرى المؤلف على تراجع الأنموذج الغربي لدى دول العالم الأخرى.

وحول مسألة تراجع الأنموذج الغربي وبعيدا عن كتاب هزيمة الغرب نتحدث عن موضوع الإعلام، وتحديدا عن السخط الرسمي والشعبي الأمريكي الذي لحق تاكر كارلسون بعد إجراء المقابلة الأخيرة له مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هذا السخط يعكس بصورة أو بأخرى التناقض الحاد بين مبدأ ماكينة الإعلام الغربي تجاه حرية الرأي والتفكير وبين واقع التسلط الذي تمارسه!!.

هناك حالة أخرى تثير الصدمة في الأوساط الثقافية الغربية وتتعلق بالجيل زد، مواليد الألفية الجيل الناشئ مع القيم التقنية والبعيد كل البعد عن فخ الصورة النمطية التي تمارس خلقها أيديولوجيا الإعلام الغربي، فيتميز أفراد هذا الجيل بامتلاكهم أجهزة الحواسب الذكية، ولديهم حسابات فاعلة لدى مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي، ويدركون تماما ما يحصل في أوكرانيا وغزة، ولا يمكن تشكيل هويتهم وثقافتهم حسب منهجية أيديولوجيا الإعلام التقليدي، فتشير بعض الدراسات إلى أن حوالي 60% من هذا الجيل في الولايات المتحدة وأوروبا يندد بجرائم الحرب في غزة، وبالتالي تشكل توجهات هذا الجيل صدمة ثقافية إن لم تكن أزمة بين الأوساط الثقافية في الغرب.

يشكل كتاب هزيمة الغرب لعالم الأنثروبولوجيا الفرنسي إيمانويل تود صيحات تحذيرية لبني قومه الأوروبيين، وتعد ظاهرة التحذير سمة أساسية في نموذج الثقافة الغربية، كما يعدها بعض المهتمين بتاريخ الحضارة الإنسانية سرا من أسرار قوة الغرب ودليلا على قدرته على الصمود أمام التحديات، تعود هذه المنهجية الناجعة إلى كتابات الفيلسوف الألماني الشهير إيمانويل كانط في كتابه العقل النقدي، وقد أصبحت هذه المنهجية سمة متلازمة مع الثقافة الغربية.

خاتمة القول.. الخطر لا يكمن في صيحات التحذير التي يطلقها الكتاب الغربيون بين الحين والآخر، الخطر يكمن في التناقض الحاد بين المبدأ والسلوك، هذا التناقض المكشوف هو مصدر القلق الحقيقي لمستقبل الحضارة الغربية.

albakry181@