حسن علي القحطاني

الصواريخ البشرية

الاحد - 25 فبراير 2024

Sun - 25 Feb 2024

لكل إنسان تصنيف خاص لأصدقائه، ويعجبني تصنيف الصداقة مع البشر حسب نوعها، مع مراعاة خصوصية كل نوع، للخاص تصنيفات الدر والجواهر والكنوز الثمينة، أما في العام فهناك تصنيف غريب اسمه صداقة (الصواريخ البشرية)، تجد فيهم صديقا كالصاروخ الفضائي؛ يحلق بك عاليا باتجاه عمودي واحد؛ حتى يخرجك من كوكبك للعالم المجهول، يستريح بعدها بين حطام أقرانه في السماء، ويتركك معلقا؛ لا أنت في كوكبك ولا أوصلك لوجهتك التي تريدها، التعامل مع هذا يفرض الحذر.

وأكثرهم صاروخ بعيد المدى؛ بقدر ما يشحنه وقود المصالح يستطيع قطع المسافات، لا يصيب الأهداف؛ وإذا احتجته لا يترك أثرا واضحا، تعامل مع وجوده في حياتك من باب إكمال عدد فقط.

ومنهم مثل صاروخ أرض - جو، إن كانت الأهداف مرتفعة أصابها، وإن كانت منخفضة (واطية) شام عنها، وهذا من الجيد استشارته؛ ونصيحته يؤخذ بها.

وبعضهم صاروخ أرض- أرض، أهدافه سطحية منخفضة، يجيد المراوغة في الأفكار المظلمة، يلعب دور مستشار الأزمات، فهو جيد في الهروب السريع من المشاكل، واسع المعرفة بالمداخل والمخارج في حالات الطوارئ، اسمه لا يبتعد كثيرا عن قائمة أصدقاء السوء، ومثله يترك للزمن فسيحسن تربيته، لا يفضل اقترابه ولا التفريط فيه.

النادر جدا منهم مثل صاروخ الردع الاستراتيجي عابر القارات، إذا احتجته حضر بسرعة فرط صوتية، حضوره يرجح كفة ميزانك، يحمل أحزانك، أثره شديد التدمير على أعدائك، لكن وجوده يحتاج بحثا دقيقا، وصبرا على معايير اختبار المواقف الصادقة التي لا تخلو من بعض التضحيات، وجود واحد على الأقل من هذا النوع ضرورة حتمية في حياتك.

أما أخطرها فهو صاروخ الألعاب النارية، ينسب نفسه للصواريخ وليس منهم؛ يقلدها في الشكل واللون وينافسها على أماكنها؛ يجاري صوت صعود الأقوياء؛ بقاعدة انطلاق صغيرة تتناسب مع طوله وحجمه الأسطواني؛ ينطلق ولكن يدرك متأخرا جدا أن شرايينه لا تملك وقود الصواريخ؛ وعندها ينفجر البارود الذي يملأ قلبه و(كرشه) ليحوله إلى وميض لامع؛ مسل للأطفال الصغار؛ ويمنح الكبار متعه النظر.

هذا الأخير ذو شخصية اعتمادية؛ نرجسي؛ يحتاج علاجا نفسيا، لأنه يحاول أن يصبح نسخة متطابقة من شخصية أخرى، يشعر بالضعف والهشاشة وأن بان كالديك الرومي، يفتقد الجاذبية المقبولة والاستقلال الذاتي المميز.

أخيرا، لا بأس من الاستفادة من تجارب الغير، لكن تقليدك الآخرون لا يعني ضرورة حصولك على ما حصلوا عليه، وكم آمل أن يعفي نفسه من تبعية التشبه، ورق التقليد المقيت، فضريبة المحاكاة مؤلمة.

أختم مبتسما؛ فأنا أكتب وأنت تقرأ، وأنا وأنت بينهم ومعهم، فاحمد من نجانا أن نكون منهم. دمتم ودامت سلامتكم مع الصواريخ البشرية.