عبدالله علي بانخر

أهلا رمضان مجددا.. إعلاميا وإعلانيا

الأحد - 25 فبراير 2024

Sun - 25 Feb 2024

رمضان شهر الخيرات وموسم البركات، أصبح على الأبواب قريبا بإذن الله. وكل عام والعالم كله بخير، وإن وحدتنا بشريا وإنسانيا كورونا إلى حد ما وفرقتنا الحروب والويلات والأزمات إلى حد كبير.

وعلاوة على الجوانب الروحانية المقدسة لهذا الشهر الكريم، وما يحمله من نفحات طيبة وتجليات عطرة، يحرص الجميع على كسب مزيد من الحسنات والثواب في الدنيا والآخرة، ويعد الشهر المبارك مجالا خصبا للرواج الإيماني والروحاني، إلا أنه لا يقتصر فقط على أعمال الخير المختلفة وممتدة طوال العام.

يعد رمضان أحد أبرز مواسم الرواج الاجتماعي في الزيارات الجماعية واللقاءات العائلية، وغيرها من السلوكيات الطيبة، كذلك موسما للرواج الاقتصادي والتجاري في عمليات البيع والشراء، في الجود والبذل والكرم في مجالات التسوق المختلفة حتى من قبل الشهر الكريم بشهر أو شهرين.

كل ذلك على قدم وساق في موسم رمضان على حد سواء في جميع الدول الإسلامية، وكل دول العالم التي يوجد فيها المسلمون.

ولهذا الرواج الاجتماعي البارز والاقتصادي الواضح والتجاري المشهود، عادة ما يترتب عليه أيضا رواج إعلامي، خاصة في المشاهدة التلفزيونية المنزلية على وجه التحديد، وكذلك ما يتبع هذا الرواج الإعلامي التلفزيوني بالضرورة من رواج إعلاني يشهد له القاصي والداني لهذا الموسم الكريم، وتظل المشاهدة التلفزيونية ـ خاصة المنزلية الآنية منها ـ هي الأساس، والتي لا تزال تحظى بالنصيب الأكبر في العالم أجمع بنسبة تصل إلى 76% في 2023، مقارنة بالمشاهدات الأخرى الرقمية والفردية والتراكمية بوسائط مختلفة لا تتجاوز 24%.

وعادة ما تزيد وتنقص هذه النسب، وفقا لتفاوت مواسم الرواج ومناسبات الذروة وغيرها، ووفقا لمعدلات المشاهدة التلفزيونية المنزلية العادية طوال العام، والمرصودة بدقة عالية.

ولعل الأسبوع الماضي وحده، وتحديدا في الأحد 11 فبراير 2024، تجاوز عدد مشاهدي مباراة كرة القدم الأمريكية «السوبر بول» 123 مليون مشاهد.

وذلك خلال المباراة النهائية والسنوية التي استغرقت 74 دقيقة و57 ثانية، أي أقل من ساعتي زمن. يمثل هذا الحدث الرياضي الأكبر عالميا في نسب المشاهدة التلفزيونية المنزلية في العالم بأكمله، ليس في أمريكا فحسب بل في العالم أجمع، خاصة فيما يتعلق بالمشاهدة التلفزيونية المنزلية في آن واحد غير تراكمي، وعبر وسائل او وسائط رقمية متعددة أخرى.

ومما هو جدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية وحدها تمثل أعلى معدلات المتابعة الإعلامية التلفزيونية في العالم، بنسب تتجاوز 33% من نسب المتابعة لبقية دول العالم، علاوة على ما يرتبط بهذه المتابعة الإعلامية العالية الكثافة في المشاهدة من إنفاق إعلاني يقدر قيمته بـ40% من الإنفاق الإعلاني العالمي سنويا، والمتوقع عالميا بإجمالي يصل إلى حدود 662 بليون دولارا أمريكا في 2024، ويتركز هذا الانفاق في التلفزيون كأحد أبرز الوسائل الإعلامية والإعلانية على حد سواء، وعلى وجه الخصوص لارتفاع نسب المشاهدة التلفزيونية المنزلية وحدها، ولعل حدث «السوبر بول» الحدث الأكبر إعلاميا وإعلانيا عالميا بنسب المشاهدة.

مما أدى إلى بلوغ سعر الإعلان فيه ولـ30 ثانية لمرة واحدة فقط إلى أعلى سعر للإعلان في العالم إلى يومنا هذا، إذ بلغ السعر 7 ملايين دولار لكل 30 ثانية تعرض لمرة واحدة فقط لـ2024.

يعد هذا السعر مماثلا ومكررا أيضا لسعر العام السابق 2023. رغم أن معدلات المشاهدة المنزلية الآنية المباشرة، لم تتجاوز 115 مليون مشاهدا في 2023، إلا أن سعر الـ7 ملايين دولار أمريكي ظل ثابتا.

وبالعودة للحديث عن مواسم الرواج الإعلامي والإعلاني في العالم العربي تحديدا، أو ما يطلق عليها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والملقبة بـ MENA، يعد رمضان الكريم من أكثر المواسم رواجا وتحديدا تلفزيونيا.

فعادة ما تستقطب ميزانيات الإنتاج الإعلامي التلفزيوني وحدها في رمضان ما قيمته 50% تقريبا من الميزانية السنوية للإنتاج البرامجي، كنتيجة تلقائية إلى الزيادة في ساعات المشاهدة التلفزيونية.

كما ترتفع نسب المشاهدة التلفزيونية المنزلية عن الأشهر الأخرى، بما نسبته من 25-30% مقارنة في رمضان وحده. ويمثل الدخل الإعلاني في رمضان فقط من 25-30% من الدخل الإعلاني السنوي لكبريات التلفزيونات العربية المرموقة طبعا، أما المتوسطة والصغيرة فلا تحصل إلا على الفتات في الغالب، فقد بات من المؤكد أن ما نسبته 10% من القنوات التلفزيونية العربية تحصل على ما قيمته 90% من الدخل الإعلاني بصفة عامة سنويا، في حين تحصل الـ90% الباقية من القنوات على مجرد 10% من اجمالي الدخل الإعلاني سنويا، للأسف الشديد.

ورغم ذلك الإجحاف في التوزيع إلا أن غالب تلك القنوات مستمر دون أي مقومات اقتصادية شرعية واضحة، والتي من أبرز نماذجها الدعم المادي الملموس لهذه الوسائل، وهو بالطبع الإعلان، عصب الاستمرارية وشريان الحياة لكل الوسائل الإعلامية.

وفي كل عام، وفي موسم المواسم برمضان الكريم، تبدأ الحيرة من جديد، وتعاد الكرة في تكرار الخطط الإنتاجية الإعلامية وفقا للعام السابق. وغالب هذه الخطط غير الرشيدة وكذلك الحملات الإعلانية وغالبها أيضا غير المرشدة بدراسات دقيقة وأرقام صحيحة، خاصة أنها تعتمد فقط على تجارب الأعوام السابقة، دون تحديد دقيق بالأرقام والإحصاءات والمعلومات، تجارب سابقة يعلوها الفشل دائما ويندر فيها النجاح أحيانا، إلا من رحم ربي، خاصة من يعتمد على ارقام محددة وصحيحة ومدققة وموثوقة، ويمكن الاعتماد عليها في التخطيط المسبق.

يتميز هذا العام تحديدا عن بقية الأعوام السابقة، بوجود إحصاءات مدققة للمشاهدة التلفزيونية المنزلية، دقيقة بدقيقة منذ رمضان الماضي، وعلى عينة ممثلة للسوق السعودي تحديدا، وهو السوق الأكبر عربيا سواء من الناحية الإعلامية والإعلانية. وغالبا ما تمثل السعودية وحدها ما يراوح بين 40 و50% من الإنفاق الإعلامي والإعلاني في المنطقة العربية MENA، والتي تقدر بحدود 1.5% من إجمالي الإنفاق الإعلاني العالمي، أي بتقدير يبلغ 10-11 بليون دولار أمريكي في 2024.

وبذلك، قد يقدر السوق الإعلاني السعودي وحده فقط بحدود من 5-5.5 بليون دولار أمريكي في 2024، وهذا الحجم يتزايد سنويا بزيادة مضطرة، مرتبطة بنمو كل من السوق الإعلامي والاعلاني معا.

لعل من أبرز وأدق النتائج المتاحة والإحصاءات في المنطقة العربية، وتحديدا في السعودية، ما تقدمه الشركة الإعلامية للتصنيف Media Rating Company من تقارير لحظية عبر أجهزة قياس المشاهدة التلفزيونية في السوق السعودي إعلاميا وإعلانيا، ونظرا لتوافر هذه المعلومات منذ العام الماضي، وتحديدا في رمضان 2023، نجدها متاحة ومتوافرة للمتخصصين والمهنيين العاملين في صناعتي الإعلام والإعلان، وكان آخر تقاريرها الصادرة بمثابة تشويق أو تسويق لما تم في العام الماضي، خاصة في الأيام الأولى لرمضان 2023، ومن أبرز ما ورد في هذا التقرير ما يلي:

في اليوم الأول لرمضان العام الماضي، زادت نسبة المشاهدة التلفزيونية المنزلية بنسبة 34% رغم مغادرة 13% المشاهدة التلفزيونية في اليوم السابق، بمعنى - وهذا رأي شخصي - أن الزيادة التراكمية في اليوم الأول واليوم السابق له معا تقدر بـ47%، وهذه زيادة مرتفعة نسبيا لصالح المشاهدة التلفزيونية المنزلية، عادة ما تلحظ في بدايات رمضان.

وفي اليوم الثاني والثالث على التوالي، كانت الزيادة في نسب المشاهدين الجدد تصل 13% و 15%، رغم مغادرة 16% للمشاهدة خلال كلا اليومين معا.

بمعنى أنه من الملاحظ تعويض الفاقد من المشاهدة اليومية بنسبة الضعف تقريبا خلال اليومين الثاني والثالث من رمضان وهو تعويض فائق الدلالة، ربما يستمر حتى نهاية الأيام العشرين الأولى من الشهر، وقبل الثلث الأخير من الشهر.

بلغ مجموع أعداد المشاهدين للتلفزيون منزليا تراكميا، خلال الأيام الـ3 الأولى من رمضان العام الماضي حدود الـ15.4 مليون مشاهدا، وهذا رقم معتبر نسبيا، وبمتوسط مشاهدة يومية يصل إلى حدود 5.1 ملايين في السوق السعودي الإعلامي والإعلاني.

فيما يتعلق بنوعية المشاهدة التلفزيونية المنزلية اليومية، ما تزال القنوات الفضائية التلفزيونية متفوقة ومسيطرة بنسب عالية في المشاهدة، تصل إلى 77% بالنسبة للسعوديين، و85% للمقيمين العرب في العام الماضي، وهذه نسب تقارب المعدلات العالمية التي تصل إلى 76% بالنسبة للسعوديين، وتزيد عند المقيمين العرب في السعودية بزيادة ملحوظة تصل إلى 9%. علما بأن هذه المعدلات مقسمة في نوعية المشاهدة للتلفزيونات الفضائية المنزلية، بما نسبته 58% للسعوديين، و75% للعرب المقيمين، في حين بلغت نسبة مشاهدة المنصات الرقمية ما نسبته 37% للسعوديين و26% للعرب المقيمين، وربما يرجع الأمر في ذلك لارتباط العرب المقيمين أكثر بأخبار بلادهم عبر الفضائيات أكثر من المنصات الرقمية نسبيا.

كما قسم التقرير أيضا نوعية المواد المشاهدة على المنصات الرقمية وحدها بصفة خاصة للسعوديين، بنسبة تشكل 43% لمشاهدة البث المباشر و57% محتويات أو مواد أخرى.

أما بالنسبة للعرب المقيمين في
السعودية، فقد قسمت المشاهدة إلى ما نسبته 38% للبث المباشر و72% محتويات أخرى، وربما تلعب الجوانب الاقتصادية دورا مؤثرا في ذلك نوعا ما لدى غالبية المقيمين.

وفيما يتعلق بإجمالي عدد ساعات المشاهدة التلفزيونية المنزلية اليومية عموما، خلال الأيام الـ3 الأولى من رمضان 2023، فقد بلغت ساعات المشاهدة للسعوديين في حدود 5 ساعات و23 دقيقة يوميا، في حين 5 ساعات و38 دقيقة للعرب المقيمين، بفارق بسيط جدا يمثل 15 دقيقة فقط ربما لاختلافات بعض العادات والتقاليد في الزيارات في رمضان.

كما بلغ عدد ساعات المشاهدات للقنوات التليفزيونية المنزلية وحدها حدود 5 ساعات و13 دقيقة للسعوديين و5 ساعات و31 دقيقة للعرب المقيمين في السعودية، ربما زادت زيادة طفيفة في حدود الـ18 دقيقة بين العرب المقيمين للسبب السابق نفسه.

في حين بلغ البث المباشر عبر المنصات الرقمية حدود 3 ساعات و35 دقيقة للسعوديين، و3 ساعات و45 دقيقة للعرب المقيمين، وإن زادت النسبة لصالح العرب المقيمين على السعوديين، إلا أن الفارق ما يزال ضعيفا نسبيا، وربما يرجع للسببين السابقين كليهما.

وبكل تأكيد، يقدم التقرير السابق بتميز نبذة تشويقية، ولعلها تسويقية أيضا، لباقي معدلات ونسب وساعات المشاهدة التلفزيونية للأيام الـ3 الأولى كمؤشر قوي يفضل الاستعانة به لتقديم صورة معبرة بشكل أدق للواقع اليومي الرمضاني في المشاهدة التلفزيونية المنزلية بشكل أشمل وأوضح وأسلم.

وكما يقال عادة، إن الدراسة الجيدة تقدم أسئلة مستجدة أكثر من مجرد إجابات عن الأسئلة السابقة لها.

وقد أطلعنا هذا التقرير في نبذته الموجزة وإطلالته المختصرة على كثير من خفايا موضوع مهم للغاية، أولا إعلاميا، إذ تتدفق كل الاستثمارات الإعلامية بمئات المليارات من الدولارات الأمريكية سنويا، وكذلك عشرات المليارات من الدولارات الأمريكية من تدفق استثمارات إعلانية ترويجية وتسويقية في المنطقة العربية، والأمل معقود على استفادة الجميع من عوائد استثماراتهم بشكل مربحٍ ومُرضٍ في آن واحد، ووفقا لمقومات اقتصادية محددة وواضحة، وليست مهدرة غير مرشدة، بإذن الله.

يبقى رمضان كريما في عطائه الإعلامي وسخائه الإعلاني، وفق قواعد وأسس اقتصادية وتجارية ومهنية، ولا نملك إلا أن نردد: «أهلا رمضان» في كل عام، وأن نتطلع بمزيد من الأمل والتفاؤل إلى أن يكون الشهر الكريم في كل عام أفضل إعلاميا وإعلانيا عن سابقيه، ليس للسوق السعودي وحده، ولكن للعالم أجمع وللأجيال القادمة. بإذن الله تعالى.