فهد إبراهيم المقحم

يوم بدينا.. هل كملنا؟

السبت - 24 فبراير 2024

Sat - 24 Feb 2024

يوم بدينا كوطن حققنا في ثلاثة قرون عمقا تاريخيا اتسم بالتفرد والتميز، بدأ قديما، وازدهر حديثا، وما يزال الطموح عاليا لتحقيق مزيد من النجاحات والتطلعات بتوفيق الله أولا، ثم بتكاتف المخلصين نحو تحقيق ما أشار إليه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - أيده الله ورعاه - بقوله: «هدفي الأول، أن تكون بلادنا نموذجا ناجحا ورائدا في العالم على الأصعدة كافة، وسأعمل معكم على تحقيق ذلك».

لكن، ماذا عنا كأفراد؟، هل حين بدأنا أكملنا مسيرتنا لتحقيق أحلامنا، والإسهام في الوصول إلى رؤية وطننا؟

في بداية كل عام، يكثر الحديث عن الأهداف الشخصية، والتخطيط لتحقيقها، والسؤال الذي يطرح نفسه بعد تصرم شهرين من هذا العام: هل حققنا شيئا من هذه الأهداف؟

لربما كثير منا يتحاشى الإجابة والمكاشفة؛ إلا أن كثيرا من الدراسات البحثية التي نفذت في بلدان متفرقة تجيب عن هذا السؤال بأرقام صادمة ونتائج محبطة!

فمثلا، أشار الباحثون (Oscarsson, Martin, et al) إلى أن 12% - 44% من الناس يحدد أهدافه الشخصية كل عام، كما وجد الباحثان (Norcross and Vangarelli) أن 23% من هؤلاء يتراجع عن تنفيذ أهدافه في الأسبوع الأول من العام، ومع مرور الوقت تزداد هذه النسبة سوءا، حتى تصل 60% بعد 6 أشهر! وبعد مضي عامين، لم يصمد على الطريق إلا 19% يقاتل بشغف نحو تحقيق أهدافه وأحلامه!

المشكلة لا تتوقف عند خسارة تحقيق تلك الأهداف، بل تتجاوزها إلى الإصابة بمرض عضال يسمى «البروكراستيناتسيون»، فوفقا لدراسة أجرتها جامعة ماينس الألمانية، شملت أكثر من 2500 فردا في المرحلة العمرية بين 14 و95 عاما، وجد أن من يؤجل عمله وتحقيق أهدافه بشكل متكرر يعاني من الضغط العصبي، والدخول في نفق الإحباط والاكتئاب.

ولحياة مفعمة بالسعادة والإنجازات، إليك بعض الوقفات:

أولا: صلتك بخالقك عنوان فلاحك، قال تعالى: ﴿ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب﴾، وقال أيضا: ﴿ألا إن حزب الله هم المفلحون﴾.

ثانيا: يقول الشاعر محمد البوصيري (رحمه الله):
والنفس كالطفل إن تهمله شب على
حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
فتعامل مع نفسك وذاتك كما تتعامل مع الطفل، في تجاوز بعض الرغبات والملهيات، لتحقيق ما هو أعلى وأسمى، فما نيل المطالب بالتمني، ولكن تؤخذ الدنيا غلابا، وروضها بالتدرج في تحقيق المنجزات وبلوغ المستهدفات، ومن سار على الدرب وصل!

ثالثا: اعرف جيدا طبيعة مسارك في حياتك، فالحياة جبلت على كدر، وطريق النجاح يشوبها شيء من المعوقات وكثير من المحاولات، ولذا يحتاج المرء في طريقه لتحقيق أهدافه إلى رغبة عارمة وعزيمة صادقة، وصبر ومصابرة وعدم يأس من المحاولة، حتى يتجاوز تلك العقبات، وإلا ضاع جهده وتلاشت أحلامه، يقول توماس إديسون: كثير ممن فشلوا لم يدركوا مدى قربهم من النجاح حينما استسلموا!

رابعا: حدد أهدافك بحنكة وواقعية، ومن الوسائل المعينة في ذلك، استخدام نموذج (SMART) عند كتابة أهدافك، فيكون كل هدف منها: محددا وواضحا (Specific)، وقابلا للقياس (Measurable). وواقعيا قابلا للتحقيق (Achievable)، وذا صلة بالأهداف الأخرى نحو تحقيق رؤية واحدة (Relevant)، ومحددا بفترة زمنية لتحقيقه (Time-Bound).

خامسا: استعن بمبدأ باريتو 20/80 في تحديد أولوياتك، فالمبدأ ينص على أن 20% من أهدافك تؤثر بنسبة 80% على مسيرة حياتك، ولذا حين تحدد مثلا 10 أهداف ترغب في تحقيقها هذا العام، ابدأ بأهم اثنين منها، وأعطها جل اهتمامك حتى تحقق منها مرادك.

سادسا: عليك بقانون الإضافة البسيطة لتحقيق أهدافك الطموحة، فالنفس تجد الأعباء الكبيرة ثقيلة، وربما تصاب بالإحباط والتقهقر عند النظر إلى خط النهاية لبعد المسافة، لكن حين تركز في تنفيذ مهمة صغيرة بشكل مستمر، ستجد أنك مع مرور الزمن قد حققت نتائج كبيرة ومذهلة، وقليل دائم خير من كثير منقطع.

فمثلا، إذا كنت ترغب في إنقاص وزنك 20 كجم، ضع لنفسك هدفا يسيرا، كأن تنقص من وزنك 1 كجم شهريا، فهو أدعى لتحفيز ذاتك على البداية، ومع مرور الوقت ستجد أنك اكتسبت عادات صحية تؤهلك لبلوغ هدفك الأكبر.

كذلك حين تطمح أن تكون قارئا نهما، لا تفكر بكم كتاب يجب أن تقرأ في السنة، بل يكفيك أن تلزم نفسك بقضاء 15 دقيقة يوميا في قراءة الكتب، ومع مرور الوقت ستجد أنك حققت نتائج رائعة في القراءة والمطالعة!.

سابعا: حذار أن تقع في فخ المقارنة، فلكل معطياته، أو أن تستجيب للمشتتات فيضيع وقتك عن تحقيق أهدافك.

تقول الأسطورة إن الغراب يعمد إلى مضايقة النسر بالصعود على ظهره ونقر رقبته، إلا أن النسر لا يستجيب لمضايقته، بل يزيد في تحليقه نحو الأعلى، فيصعب على الغراب الصمود لما يعانيه من ضيق في التنفس حتى يتهاوى ساقطا على رأسه!

الإنسان الذي يسير في حياته دون أن يحدد أهدافه، كالسفينة التي تسير في غمام البحر دون دفة توجهها، فتتلاطمها الأمواج يمنة ويسرة دون أن تصل إلى بغيتها.

لذا، عليك بتحديد أهدافك وترتيب أولوياتك، واختيار الطريق الأمثل لبلوغها، مع المتابعة والمحاسبة، لتحقق أحلامك، وتكون رقما صعبا بنجاحاتك وإسهاماتك في مسيرة مستقبل أفضل لشعب واعد، ووطن طموح.

moqhim@