زيد الفضيل

سقوط الثقة بمجلس الأمن

السبت - 24 فبراير 2024

Sat - 24 Feb 2024

كيف يتسنى لي كمواطن عربي مسلم أن أثق بمجلس الأمن حاليا ومستقبلا؟ بل كيف يمكن أن أقبل بقراراته وهو يمارس بكل جرأة وظلم وتكبر حالة ازدواج المعايير في سياساته؟ كيف يفهم مثلي سبب رفض الولايات المتحدة الأمريكية مشروع وقف حرب الإبادة في غزة، والذي تقدمت به الجزائر بالأمس القريب، حيث وافقت 13 دولة على مشروع القرار، وامتنعت بريطانيا، ورفضت أمريكا، وبالتالي سقط مشروع القرار للمرة الثالثة.

هل بعد هذا شك في أن مجلس الأمن قد فقد موثوقيته ومصداقيته ومشروعيته الإنسانية والقانونية؟. إذ كيف أبرر لنفسي بقاءه وهو فاقد أهليته في أبسط ما يمكن أن يقوم به، وهو وقف الظلم والإبادة في حق شعب أعزل يتم سحله منذ أربعة أشهر، بتغطية وموافقة بريطانية أمريكية غربية.

هل يجب علينا أن نعيد الكرة والمأساة العالمية مرة أخرى حتى يتوقف الظالم عن ظلمه؟ وهل بات العالم مأسورا في يد ماسونية صهيونية لا تمانع في تدمير العالم من أجل بقائها؟

حتما، الأمر يستوجب أن يفرض العالم موقفا حاسما من هذا الاضطهاد الأمريكي البريطاني برعاية إسرائيلية، الذي يدعم انتهاك الحقوق وكل القيم والمنظومات الأخلاقية الإنسانية، فالقضية ليست صراعا بين دولتين متساويتين في الحقوق والواجبات، كما هو الحال بين روسيا وأكرانيا، بل بين شعب أعزل محتل منذ 75 عاما ودولة ظالمة تمارس أبشع جرائم الإبادة الإنسانية بحقه، ودون أي خوف من أي قرار عالمي يمكن أن يحاسبها أو يحد من وحشيتها.

أشير إلى أنه قد نتج عن فشل عصبة الأمم المتحدة في إحقاق الحق القانوني والإنساني مع ابتداء تأسيسها في عشرينات وثلاثينات القرن العشرين، أن خرج زعيم ألمانيا هتلر، وزعيم إيطاليا موسوليني، وحالفهم آخرون، معبرين عن غضبهم من فشل عصبة الأمم وانحيازها غير القانوني والسياسي لصالح المنتصرين في الحرب العالمية الأولى، وكان أن اندلعت أحداث الحرب العالمية الثانية، والتي كانت أشد فتكا وتدميرا، ونتج عنها موت الملايين في أوروبا.

والسؤال: هل يجب أن يتكرر السيناريو مرة أخرى، ولكن في إطار المنظومة الآسيوية، والشرق في مقابل الغرب؟

ليت من يسمع! وليت من يعقل! وليت من يدرك في مؤسسة الحكم الأمريكية والبريطانية والغربية إجمالا، بأن تفاني قياداتهم في الدفاع عن إسرائيل، والتبرير لظلم اليهود وحكومتهم التي تمارس أبشع جرائم الإبادة الإنسانية في القرن الـ21م، سيكون له أثره السلبي عليهم حاضرا ومستقبلا.

فالغرب الذي كان نموذجا للحرية والديموقراطية بات موئلا للظلم، والولايات المتحدة الأمريكية التي كانت مثالا للعدالة والحرية المسؤولة، ونصيرا للشعوب المقهورة، أصبحت مستوطنا لكل مرتكبي الجرائم البشعة، والذين يحظون بدعم سخي منها، وحماية كاملة لأفعالهم المتوحشة، فهل هذه أمريكا التي حلم بها الآباء حال التأسيس؟

الأمر جِد، وصار واجبا على كل العقلاء في هذا الكون مراجعة منظومة عمل الأمم المتحدة، وآلية عمل مجلس الأمن، الذي لا قيمة له بوجود نظام «الفيتو» في يد الدول الخمس الدائمة العضوية، كما يقال، وفي ذلك ظلم فادح، وسياق غير مقبول قانونيا، خاصة إذا ما كانت المساواة في الحقوق والواجبات هي المنصة التي تقوم عليها تشريعات الأمم المتحدة.

أخيرا، كم أشكر حكومتي السعودية، ووعي قادتها وحصافتهم، وإيمانهم بأهمية وقيمة دورهم بعيدا عن المظهرية، والذي تمثل في قرارهم المركزي بعدم المشاركة في عضوية مجلس الأمن، إذ ما الفائدة أن تكون عضوا غير فاعل، ولا قيمة لرأيك وتوجهك، ففيتوا واحد من إحدى الدول الخمس يُلغي ما اتفق عليه بقية الأعضاء.

وكأنهم بموقفهم هذا قد أرادوا أن يقرروا موقفا راسخا لا تفاوض عليه، فإما أن نكون بمستوى الندية في مجلس الأمن، انطلاقا من إدراك عميق لقيمة ما نحن عليه من قوة اقتصادية ومعنوية بوجود الحرمين الشريفين، أو لا حاجة لنا بالحضور تكملة لعدد.

إنه الموقف السعودي الراسخ والمشرف، وكم أرجو أن نقود بمعية الشرفاء من الدول شرقا وغربا حملة لتغيير سياق وآليات نظام مجلس الأمن، وأن يتم فرض وقف حرب الإبادة بمختلف السبل القانونية والاقتصادية المشروعة، احقاقا للحق وحفاظا على السلم العالمي.

zash113@