بندر الزهراني

يوم التأسيس 22 فبراير 1727م يوم الأمن والعلم!

الأربعاء - 21 فبراير 2024

Wed - 21 Feb 2024


في هذا الوطن العظيم المعطاء على اتساع رقعته وتنوع مقدراته وخيراته نستلهم في يوم التأسيس فضل الله ونعمته علينا أن جعل بلادنا وأهلها آمنين مطمئنين، ففي هذا اليوم تأسست الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود رحمه الله، وفي هذا اليوم كانت أول بداية حقيقية لمعنى الوحدة وانتشار الأمن والاستقرار في أرجاء الجزيرة العربية، وفيه بدأت بواكير الثقافة والعلوم بالظهور والازدهار، ولعل أهم ما يميز ملامح فترة البدايات هو انتشار الأمن، وقد كان مطلبا أساسيا، وتغيير شكل الحكم من حكم المدينة إلى حكم الدولة، وعدم التبعية والولاء لقوى أو جهات خارجية، ومناصرة دعوة التوحيد التي دعا إليها الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله.

والقارئ المتعمق في أحداث تلكم الفترة التاريخية المهمة من تاريخ الجزيرة العربية يجد أن هناك علاقة إيجابية وثيقة تمحورت بين قوة الدولة وانتشار الأمن والاستقرار من جهة وشيوع مظاهر العلوم كالقراءة والكتابة من جهة أخرى، وهذا الملمح لهذه العلاقة يبدو نتيجة طبيعية ومنطقية، فاحتضان الإمام محمد بن سعود لدعوة التوحيد المستمدة من الكتاب والسنة وإيمانه العميق برسوخها، وهي منهجه ومنهج أسلافه، خلق أجواء جيدة لانتشار العلوم وتطورها خاصة الشرعية منها، لم تكن مألوفة أو موجودة من قبل.

وهذه الحقيقة - في واقع الأمر - لم تكن غائبة أو طارئة على شخصية الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن رحمه الله، مؤسس الدولة السعودية الثالثة، فالملك عبدالعزيز بنبوغه الفطري ونشأته العروبية الأصيلة اجتمعت فيه شخصية رجل الدولة الحازم القوي، والعالم الرباني العارف والعامل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولذلك كانت سيرته - رحمه الله - حافلة بتوطيد الأمن والاستقرار من جهة ونشر العلوم والمعارف من جهة أخرى، حتى اكتملت في يومنا هذا صورة هذه العلاقة وأصبحت سمة من سمات الدولة السعودية الحديثة.

ولله الحمد والمنة نستطيع اليوم القول يقينا وواقعا ملموسا إننا نجني ثمار هذه العلاقة المتأصلة بين الأمن والعلم، العلاقة التي آمن بها زعماء الدولة السعودية منذ نشأتها وحتى يومنا هذا، ولا أدل على ما نحن فيه إلا ما يقوم به ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله - من اهتمام بالغ بمسألتي أمن المملكة داخليا وخارجيا، وتوطين التكنولوجيا والعلوم الحديثة وجعلها في متناول طالب العلم السعودي، فالأمن والاستقرار أرض خصبة للعلم، والعلم غراسها الطيب وينعها الناضج.

وبحكم تخصصي وطبيعة عملي واهتمامي الأكاديمي أستطيع القول بكل فخر واعتزاز: إن التعليم الجامعي في المملكة وصل لمراحل متقدمة لم يصل إليها في أي وقت مضى، وإننا أصبحنا في هذا المجال لا نتحدث عن مجرد تلقي المعرفة فحسب وإنما أصبحنا نسهم في اكتشافها وتقديمها بأحدث وسائل التكنولوجيا الحديثة، فالناظر مثلا لجامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا يدرك أن الدافع الأساسي وراء إنشائها هو منافسة دول العالم المتقدمة في شكل ما يعزز من الحضور العربي في تطوير المعارف والعلوم الإنسانية وتقديم الأبحاث العلمية والاكتشافات الطبية والتكنولوجية الحديثة والمتقدمة.

بل إن كل جامعات المملكة أصبحت ملء السمع والبصر، وما هذا إلا بفضل الله ثم اهتمام الدولة ورعايتها لها، وإيمانها بأن العلم قرين الأمن وصنوه الذي لا ينفك عنه، فالناظر لواقع الجامعات السعودية يرى البنى التحتية المتطورة والطاقات البشرية المؤهلة تأهيلا علميا عاليا، ويلمس حضور الأستاذ والباحث الجامعي السعودي في كل المحافل الدولية حضورا مؤثرا وعاملا مساهما في مختلف المجالات العلمية، والحديث في الجامعات السعودية اليوم لم يعد حديثا عن تلقي العلوم والمعارف بقدر ما هو حديث عن الفكر والفلسفة.

وما أمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- بالاحتفال بيوم التأسيس إلا لفتة قائد عظيم وزعيم محنك، ولمسة وفاء من قارئ للتاريخ ملهم ومسدد، كي نستذكر معه في هذا اليوم فضل زعماء الدولة السعودية ورجالها الأوفياء، ونظهر عمقنا التاريخي والحضاري وفاء لمن أسهم في خدمة هذا الوطن الشامخ من الأئمة والملوك والمواطنين، وحفظ الله بلادنا آمنة مطمئنة، وحفظ قادتها المخلصين وشعبها الأبي الوفي، والحمد لله رب العالمين.


ahmad_helali@