الحرية الفردية
الثلاثاء - 20 فبراير 2024
Tue - 20 Feb 2024
لمفهوم الحرية تصورات عدة في الأذهان، ولها تعريفات متباينة حسب الخلفية الثقافية والاجتماعية للأفراد والشعوب، ولكني أعني – هنا – الحرية السياسية والحرية الاجتماعية، أو بكلمات أخرى حرية الفرد فيما يتعلق بالدولة والآخرين.
إذ إني أؤمن أن الحرية الشخصية يجب أن تنتهي حيث تبدأ سلامة وأمن الآخرين، وللسلامة في هذا السياق معنى واسع لا يقتصر على سلامة البدن، وإنما يشمل مستويات متوازية لا يعارض أحدها الآخر.
الذين ينادون بالحرية الفردية (المطلقة) يتغافلون عمدا – في ظني – عن الحقوق الخاصة للدولة، والحقوق العامة للمجتمع، والحقوق الفردية لغيرهم، وقد ظهر ذلك في جائحة «كوفيد- 19» التي فرضت بدورها قيودا فعلية على الحريات الشخصية، فألزمت الهيئات والمؤسسات الأشخاص الدخول بالكمامات الطبية الواقية، وأجبرت المسافرين على التلقيح المضاد للفيروس، وهذه جميعها صور من تقييد الحرية الفردية لصالح سلامة المجتمع.
صحيح أن كل إلزام يحد من حريتنا بطريقة ما، لكننا نعلم أن بعض القواعد واللوائح ضرورية إذا أردنا أن نظل أحرارا في الاستمتاع بالحياة والسعي وراء السعادة.
وهكذا، يجب أن تكون الحرية الفردية متوازنة مع حرية الأفراد الآخرين ومع المطالب المعقولة للمجتمع، ولكل شخص الحق في التفكير فيما يحبه دون خوف من تدخل المجتمع طالما أن آراءه ومعتقداته لا تسبب ضررا لغيره من الأفراد أو للدولة.
ويقودنا هذا بالضرورة إلى وجوبية تحديد مفهوم الحرية، وتربية الناشئة عليه منذ الصغر لكيلا تكون الحرية مرادفا صريحا لغياب القيود، فليس هناك في أي مكان في العالم ما يعرف بالحرية المطلقة، أو الحرية الشخصية المتعدية على حقوق الناس.
إن أكثر المجتمعات إيمانا بقيم الحرية الفردية، وأكثر القوانين والتشريعات المكرسة لتعزيز حرية الإنسان لا تقبل أبدا بتلويث البيئة، أو تعذيب الحيوانات، أو التحريض على الكراهية، أو الدعوة إلى العنف، أو الصخب في الميادين العامة، أو التحرش الجنسي.
هناك قوائم طويلة من مقيدات الحرية الفردية على الجميع أن يخضع لها، لأنها تحول دون أن تصبح الحياة مرتعا للنزوات الشخصية، واستغلال النفوذ، وإطلاق يد الأقوياء.
ولهذا، فأنا أؤمن أن حريتي تتطلب حدودا، كي يتمتع الآخرون بحريتهم، والمجتمع الأكثر حرية ليس بالضرورة مجتمعا به قيود اجتماعية أقل، ولكنه مجتمع به مجموعة مختارة بحكمة من القيود والأحكام.
لا شك أن قضية الحرية الفردية هي قضية اختلاف فكري في المقام الأول، وقد ينبع هذا الاختلاف من المرجعية الأيدلوجية للأشخاص الذين يناقشونها، أو من اختلاف الأزمنة والأعمار، فهناك دائما صراع بين التقليدي والحديث، أو غير ذلك.
وتبقى مهمة المدافعين عن الحرية الفردية تقليص هذه الاختلافات، والانطلاق من أرضية مشتركة، كما عبّر عن ذلك الزعيم الأفريقي نيلسون مانديلا قائلا «أن تكون حرا لا يعني فقط التخلص من القيود المفروضة، بل العيش بطريقة تحترم وتعزز حرية الآخرين».