شاهر النهاري

ثلاثة أجيال تحتفل في مسرح مدرسة

الاثنين - 19 فبراير 2024

Mon - 19 Feb 2024


الحدث بسيط.. نشاط انتقال سنوي مبهج في مدرسة ابتدائية لطالبة في الصف الثاني، أحضرت بكل فخر أسرتها لحضور يوم بهجتها.

المدارس الخاصة قبل الرؤية كانت تحاول الخروج من قيود تشدد عجيب، لا يحلم فيه الأبوان ولا الجدان بالتجمع على كراسي مسرح مدرسي، ليحضروا ابنتهم الصغيرة وهي تخرج عن قوالب المريول والحقيبة المدرسية على الظهر، منطلقة بين عشرات الطلبة والطالبات محتفلين بانتقالهم لمرحلة أبعد!
تجربة تواد وانسجام لذيذة لم تكن مطروقة للأسرة، فكانوا عند حضور أي احتفال مدرسي، يتباينون إما رجالا، وإما نساء لا يمكن الجمع بينهم، وفي فرحة منقوصة، يظل من يحضرها ينقل الأحداث شفويا إلى من منعتهم الشدة من التمتع بساعة وصل وحرية وتقارب أسري محترم ترتسم دقائقه في مخيلة طفلة ستحملها في جوارير ذكرياتها.

الكل اليوم يشعرون بغرابة الموقف، وكراسي المسرح مكتظة بالأسر، من كتب لها أن تحتفل ببناتها وأولادها، ودون رهبة وتوجس ومحاذير اختلاط، ودون حواجز تجزئ الفرحة بين أستار الجدران المعتمة.

الجد ظل ينظر حوله، غير مصدق بوقع مشاعر واقعه، والطفلة من فوق المسرح تكاد تطير بهجة بهذا الجمع الذي وهبها فيضا من الاهتمام والتقدير، وصفق لها الجميع وشجعها فيما ترسمه من صور ملونة تعانق روعة المستقبل.

تتساءل الجدة، هل أنا في حلم؟ وعينا الجد تبرق في حبور بأن عاش هذه الفترة الجميلة من الوقت الإضافي للمباراة.

السلام الملكي وقفة فخر وانتماء، والموسيقى صاخبة، والمسرح ميدان براءة أطفال هذه المرحلة، ولكل صوت، ونشيد، ورقصة، وأداء مسرحي.

البنات والأولاد الصغار كانوا يتنافسون في التناسق بوقفاتهم وأدوارهم فوق الخشبات، ومقابلة أعين هذا الجمهور، ومحاولة الاستدلال على مكان أسرهم، يلوحون لهم وفي الوقت نفسه يضبطون أدوارهم المسرحية والغنائية، وأن يدهشوا زملاءهم ومدرسيهم فوق المسرح بشواهد غبطة أسرهم، وحضورهم الراقي المثمر، ومدى حميمية علاقاتهم بدليل تعداد الصور والمقاطع الملتقطة، والابتسامات الشاهدة.

المسرح حياة، تؤكد الثقة في أنفس صغيرة، والجميع ببراءتهم مستمتعون، والحضور يصفقون ويلوحون ويبدعون إشادة بالعروض، التي تباري وتفوق في مخيلاتهم عروض مسارح «فيليت بافيليون» في باريس، و»البيكون» في نيويورك، و»أورنج تري» في لندن، ومحمد عبده في البوليفارد!
ولم لا، فالمسرح المدرسي اليوم متميز بنجمته وبطلته المبدعة، ابنتهم الصغيرة التي جمعتهم حفلتها محبة وصفاء وسعادة، وتزينت لوحاتها راسخة في جوارير المخيلة، بكفوف تقرع نواقيس الذكرى.

في مفاهيم الجد والجدة هذا انتقال من قمة التراجيديا السوداء إلى روعة دراما النشوة، وبناء حاضر الموجود بالجماليات، والمواقف الأسرية الجماعية، بسعادة تتبارى وتتكامل ألوانها ونغماتها.
الطفلة البريئة فوق المسرح لم تكن شكلا وهنداما، ولكنها وهج يحكي عن قدرة البروز والنطق بعدة لغات، وأداء أغنيات ورقصات فلكلور عربي وأجنبي، وببسماتها تظل تلتقط نظرات إعجاب مدرسيها بما تفعل، زيادة على دهشة وفخر أسرتها.


ما الذي حدث؟ وكم كانت الرؤية مفصلية، ليس للطفلة فقط بل لأجيال ثلاثة، وبنفس مشاعر تجدد كان مقدرا لها أن تحضر دون تشدد ولا معارضات ودون سواد يعم الوجوه، في حفلة مدرسية طفولية أجملت سعودية السعادة، ونشرت الضياء لما هو أبعد بكثير من حدود بهجة المسرح والترقي.


shaheralnahari@