صالح الحصين ورؤيته حول سيكولوجية الحروب العالمية
الاثنين - 19 فبراير 2024
Mon - 19 Feb 2024
يرى معالي الشيخ الحصين -رحمه الله- في عدة كتابات له أن الكيد العالمي والمكر الكبار وما يسبقه أو يتلوه من إثارة الصراعات والحروب بأنه انتهاك للعدالة والسلام الدوليين، فالكيد والمكر يمثلان جزءا من سيكولوجية الغرب التاريخية، والمكر والكيد العالمي هو ما يسمى أحيانا بالمؤامرة في بعض كتب السياسة، بل إن الغرب في حالة ظهور التخلي عن هذه السياسات العدائية المكشوفة تحت مسميات حماية المصالح القومية أحيانا، فإنه يستبدلها بالعمل المباشر وغير المباشر في صناعة الحرب بالوكالة، وافتعال دواع ومسببات الحروب والنزاعات وإثارتها في العالم خاصة مع دول الإسلام، وأفغانستان والعراق نماذج فاضحة لهذا، وهذا ما يؤكد أن الصراع بين قيم العدالة والإنسانية من جهة وبين مبدأ القوة والمصالح الخاصة في الدول الغربية من جهة أخرى تنتصر فيه -غالبا- المصالح الخاصة على القيم التي يتشدق بها الغرب ومؤسساته الحقوقية!
والحصين وهو يحشد الروايات والأحداث المتكررة لإقناع القارئ بأن هذه السمات غير الأخلاقية تتلازم مع سياسات الغرب في تاريخه القديم والحديث، يتأكد للقارئ من جهة أخرى مدى اهتمامه الكبير في كثير من كتاباته خارج الحدود المحلية والإقليمية يما يخدم المعرفة لأمة الإسلام، فيقول -على سبيل المثال- «منذ عهد مكيافيلي والحكومات -ولاسيما في العصور الحديثة- تستخدم أسلوب (الحرب القذرة)، ولكنها تتخذ كل الاحتياطات لضمان عدم انكشاف الفضيحة الأخلاقية الناشئة عن استخدام هذا الأسلوب. ولأول مرة في التاريخ يصرح علنا رئيس دولة بعد 11 سبتمبر 2001م أن حكومته سوف تستخدم أسلوب (الحرب القذرة) في حربها القادمة» [التسامح والعدوانية بين الإسلام والغرب، طبعة مؤسسة الوقف، ص235].
وهو في قول آخر يوضح حقيقة ونتائج التعصب الغربي تجاه الإسلام والمسلمين بصورة خاصة، حيث هذا التعصب جعل من الدين الإسلامي عدوا بديلا عن الشيوعية، بل إن الحصين يكشف عن بعض الصناعات الرهيبة للاحتلال المباشر وغير المباشر للبلدان، وهو ما يعكس كذلك عن الجانب الفكري والثقافي الكبير لديه عن الغرب وتاريخه وثقافاته، بل وتاريخ صراعاتهم البينية، ومما كتبه عن هذا قوله: «وقد كتب إليوت كوهين عضو مجلس السياسة الدفاعية لبوش في مقال نشر في الوول ستريت جورنال في صفحة التحرير: (إن عدو الولايات المتحدة ليس الإرهاب وإنما الإسلام المحارب، هذا العدو يعتنق أيدلوجية، ويكفي الإنسان ساعة لتفحص الشبكة العنكبوتية ليجد في الإسلام الأفكار نفسها التي كان وجدها أثناء الحرب العالمية الثانية والثالثة في قراءته كتاب كفاحي لهتلر، أو كتابات لينين أو ستالين أو ماو)» [صالح الحصين: هل في المملكة العربية السعودية حرية دينية؟].
سيكولوجية المكر العالمي
كتب الحصين ناقلا عن غربيين كيف يتم المكر والكيد العالمي بصناعة الأحداث والحروب من قبل معظم دول الغرب، كاشفا عن وقائع وأحداث بتفاصيل دقيقة حدثت بالفعل، ومما كتب حول هذا بتفصيل مترابط يصعب اختصاره مما صدر في الولايات المتحدة الأمريكية بكتاب للمؤلف James Bamford المعنون (Body of Secrets)، وقد تحدث فيه مؤلفه بناء على وثائق تحت يده عن عملية North woods، وكان الجيش الأمريكي بعد فشل عملية خليج الخنازير متلهفا للهجوم على كوبا، وكان في حاجة لمبرر كاف لكسر معارضة الرأي المحلي والدولي للحرب ضد كوبا بتفاصيل مثيرة وكثيرة يمكن الرجوع إليها في موضعها التسامح والعدوانية بين الإسلام والغرب، طبعة مؤسسة الوقف، ص229-230].
وهذه الكتابات والاقتباسات تعبر عن شخصية الناقل لها حول اهتماماته الثقافية وسعة اطلاعه الفكري خارج قطره الجغرافي خدمة في الإثراء المعرفي للأمة والأجيال.
والمهم أن هذه الأعمال الإجرامية -على سبيل المثال- التي تمت بالفعل بهذه الصورة الماكرة على مستوى الدولة الأمريكية مع الدول الأخرى تم ما يماثلها مما لا يقل جناية عن ما سبق؛ حيث حدثت أحداث مشابهة بالفعل، لكن مع أفراد وهم كثير، وقد ساق الحصين نماذج وأمثلة من المكر والكيد والظلم بحق الأفراد كذلك تكشف عن قيم الغرب وانتهاكه لحقوق الإنسان وكرامته، وهو يدلل ويستنتج عن مدى ما وصل إليه الغرب المتعصب من الكراهية، وعدم العدالة، وتجاهل التسامح بنزعته للصراعات والحروب، بل وفشل تقنيناته وتشريعاته الدولية لما يسميه هذا الغرب بالتسامح والسلام وحقوق الإنسان! ومما قال عن هذا: «ويعتبر العاقل بالقضايا التي افتضحت في السنوات الأخيرة من ممارسات الغرب في "استعمال الآخرين" مثل: دور المخابرات الغربية في قضية الشابين اللبنانيين في ألمانيا عام 2006م، وقضية الشاب الصومالي محمد عثمان في بورتلاند أوريجن بأمريكا، في نوفمبر 2008م، وقضية الشاب الباكستاني "فردوس" في واشنطن في سبتمبر 2011م، وقد نشرت وكالات الأنباء والصحافة الغربية ذاتها تفاصيل هذه القضايا فيما يخص علاقة المخابرات الغربية بتهيئتها، وتمويلها، وتسهيل تنفيذها» [صالح الحصين: جهود الغرب في تحجيم البذل التطوعي الإسلامي؛ لماذا؟].
والحصين وهو يؤكد حقيقة المكر العالمي الكبار كرر في كثير من كتبه ومقالاته عن هذا الكيد، بل وأفرد موضوعات كاملة عن حقيقة بعض الأحداث العالمية والغربية بصورة خاصة، ومن ذلك -على سبيل المثال- مقالته عن (الحرب الأيديولوجية)، ومما قال في هذه المقالة: «بدأ إعلان هذه (الحرب الأيديولوجية) التي سميت فيما بعد (الحرب على الإرهاب)، وظهرت في صورتها الباردة والساخنة بتصريحات واضحة لا تحتمل التأويل من قبل عدد من السياسيين والعسكريين ورجال الفكر الغربيين وبعض اللجان الرسمية هناك، وذلك منذ ما يزيد عن عقدين من الزمن. فور انهيار الشيوعية اشتهر تصريح سكرتير حلف شمال الأطلسي ولي كلاس Willy Claes بحلول الإسلام محل الشيوعية عدوا للغرب (شرقيه وغربيه)، وبدأت تسمية الإسلام (العدو الأخضر) بعد أن غاب عن الوجود العدو الأحمر (الشيوعية)» [صالح الحصين: الحرب الأيديولوجية]، وهذا ما يراه الراصد العادي لمجريات كثير من الأحداث العالمية فضلاً عن التصريحات من أصحاب القرار السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال.
سيكولوجية تبديل العدو
الحصين وهو يكتب عن هذا المكر والكيد العالمي يسوق الأدلة والأقوال والتقارير من مصادر غربية محايدة، ومن ذلك قوله «جاء في مجلة ألمانية متخصصة في الدراسات الاستراتيجية: "في الحقيقة تبديل العدو بعدو آخر فكرة تبلورت في أشهر معدودة، إن الزحف العراقي على الكويت عجل في هذا الأمر، ولكن ذلك ليس هو السبب الأصل، فمع سقوط الدول الشيوعية بدأ حلف الناتو في البحث عن استراتيجية جديدة المسار (الاتجاه)... كان هنري كيسنجر خلال هذه الأزمة هو المتسلط الشرس، فأعلن في الربيع في مؤتمر غرف التجارة الدولية: (أن الإسلام العربي هو العدو الجديد أو العدو القادم)... البعض خفف اللهجة، لكن التوافق على ذلك حاصل"!.
ونقل الحصين عن الدكتور محمد السماك، ومما نقل عنه أنه "في منتدى الشؤون الأمنية الدولية في ميونخ عام 1991م، رفع ديك تشيني وزير الحرب الأمريكي في عهد بوش الأب شعار "الإسلام العدو البديل". وأنه في عام 1993م دعا رئيس مجلس النواب الأمريكي آن ذاك نيون جينجرتيش المجلس إلى وضع استراتيجية كاملة لمحاربة (التوليتارية الإسلامية)"» [صالح الحصين: الحرب الأيديولوجية].
كما أورد الحصين نقولات كثيرة غربية تثبت حجم المكر والكيد لتحقيق أجندات سياسية واستعمارية أصبحت مكشوفة فيما بعد، سواء تمت تسميتها بالمؤامرات أو الكيد العالمي أم لم تكن التسمية! ومن ذلك نقله عن مجلة لوموند دبلوماتيك بمقال مترجم لصحيفة الرياض بعنوان (أساطير أموال الإرهاب) وفيه قال: «وجاء في هذا المقال ما يأتي: الذي كشف مدى مصداقية الإدارة الأمريكية ليس فقط الأكاذيب حول أسلحة الدمار الشامل العراقية، بل أكثر من ذلك الأكاذيب حول تمويل الإرهاب، وفي الحالتين كان التلاعب دون حدود مع قصص مختلقة سخيفة، لدرجة أنه يمكن أن نتخيل أنها تأتي من بعض قصص الأطفال، ولكن اختلاقات واشنطن حول أموال الإرهاب مكنتها في الحقيقة من السيطرة بشكل أفضل على تحركات الرساميل العالمية» [صالح الحصين: الهيئات الخيرية السعودية بعد أحداث 11 سبتمبر... الآثار وسبل تجاوزها].
والحصين يكتب بمرارة وغيرة كيف وصل هذا المكر والكيد العالمي إلى تشويه مؤسسات العطاء الخيري وصرفها عن وظيفتها الخيرية والإنسانية، أو توقفها نتيجة اتهامها بدعم الإرهاب مكرا وكيدا -حسب النتائج القضائية الأمريكية وغيرها-، وعن هذا ودوافعه السيكولوجية قال: «ما الذي يدفع الغرب إلى السلوك الهمجي المناقض للأخلاق والقيم الإنسانية؟ ما الذي يحمله على الضغوط على بلدان الخليج لتمنع أبناءها من ممارسة حرية شخصية وحق إنساني في العمل الصالح الخالص النافع، تلك الحرية التي يمارس مثلها أي شخص في العالم، ولا تحجب عن أي مواطن في دولة ديموقراطية أو ديكتاتورية؟ لا شيء إلا مواجهة (غزو) الإسلام للقلوب والعقول. والغرب بغروره واستعلائه يعمى في هذا عن الحقيقة البسيطة أن غزو العقول والقلوب -في عصر الاتصالات التي أسقطت كثيرا من الحواجز- قوة لا تعتمد على أسلحة الدمار الشامل، وإنما على ما هو أقوى (قوة الأفكار العظيمة)» [صالح الحصين: جهود الغرب في تحجيم البذل التطوعي الإسلامي؛ لماذا؟].
والحصين بهذا ينبه إلى سر كثير من هذه الحروب على الإسلام والعالم الإسلامي بأنها منافسة الإسلام لأيديولوجيات الغرب والشرق في جاذبيته للعقول والقلوب؛ حيث الإسلام وحده دون سواه يمتلك (قوة الأفكار العظيمة).
وكما أن الحصين ساق تصريحات وتقارير وأقوالا تؤكد حقيقة المكر والكيد وأنها من سمات العلاقات الدولية المعاصرة لدول القوة في الحضارة الحديثة، فهي كذلك تكشف عن صناعة أحداث وحوادث للتبرير للعدوان، والمهم في هذا، أنه ختم مقالته كالمعتاد في كثير من كتاباته بالعزة والتفاؤل، وأهمية وعي الأمة بهذا المكر مهما كان اسمه، وذلك بقوله: «الغرب عاجز عن مواجهة الإسلام بالقوة المادية أو المعنوية، وعليه فإن فشل المسلمين وذهاب ريحهم إنما هو فقط باستجابتهم لمكر العدو، في التفريق والتنازع بينهم ودخول الوهن والخذلان في قلوبهم» [صالح الحصين: الحرب الأيديولوجية].
وما سبق يطرح التساؤل بعد التساؤل عن قيم العدالة والتسامح والحقوق وكرامة الإنسان في هذه الحضارة الحديثة.
والحصين وهو يحشد الروايات والأحداث المتكررة لإقناع القارئ بأن هذه السمات غير الأخلاقية تتلازم مع سياسات الغرب في تاريخه القديم والحديث، يتأكد للقارئ من جهة أخرى مدى اهتمامه الكبير في كثير من كتاباته خارج الحدود المحلية والإقليمية يما يخدم المعرفة لأمة الإسلام، فيقول -على سبيل المثال- «منذ عهد مكيافيلي والحكومات -ولاسيما في العصور الحديثة- تستخدم أسلوب (الحرب القذرة)، ولكنها تتخذ كل الاحتياطات لضمان عدم انكشاف الفضيحة الأخلاقية الناشئة عن استخدام هذا الأسلوب. ولأول مرة في التاريخ يصرح علنا رئيس دولة بعد 11 سبتمبر 2001م أن حكومته سوف تستخدم أسلوب (الحرب القذرة) في حربها القادمة» [التسامح والعدوانية بين الإسلام والغرب، طبعة مؤسسة الوقف، ص235].
وهو في قول آخر يوضح حقيقة ونتائج التعصب الغربي تجاه الإسلام والمسلمين بصورة خاصة، حيث هذا التعصب جعل من الدين الإسلامي عدوا بديلا عن الشيوعية، بل إن الحصين يكشف عن بعض الصناعات الرهيبة للاحتلال المباشر وغير المباشر للبلدان، وهو ما يعكس كذلك عن الجانب الفكري والثقافي الكبير لديه عن الغرب وتاريخه وثقافاته، بل وتاريخ صراعاتهم البينية، ومما كتبه عن هذا قوله: «وقد كتب إليوت كوهين عضو مجلس السياسة الدفاعية لبوش في مقال نشر في الوول ستريت جورنال في صفحة التحرير: (إن عدو الولايات المتحدة ليس الإرهاب وإنما الإسلام المحارب، هذا العدو يعتنق أيدلوجية، ويكفي الإنسان ساعة لتفحص الشبكة العنكبوتية ليجد في الإسلام الأفكار نفسها التي كان وجدها أثناء الحرب العالمية الثانية والثالثة في قراءته كتاب كفاحي لهتلر، أو كتابات لينين أو ستالين أو ماو)» [صالح الحصين: هل في المملكة العربية السعودية حرية دينية؟].
سيكولوجية المكر العالمي
كتب الحصين ناقلا عن غربيين كيف يتم المكر والكيد العالمي بصناعة الأحداث والحروب من قبل معظم دول الغرب، كاشفا عن وقائع وأحداث بتفاصيل دقيقة حدثت بالفعل، ومما كتب حول هذا بتفصيل مترابط يصعب اختصاره مما صدر في الولايات المتحدة الأمريكية بكتاب للمؤلف James Bamford المعنون (Body of Secrets)، وقد تحدث فيه مؤلفه بناء على وثائق تحت يده عن عملية North woods، وكان الجيش الأمريكي بعد فشل عملية خليج الخنازير متلهفا للهجوم على كوبا، وكان في حاجة لمبرر كاف لكسر معارضة الرأي المحلي والدولي للحرب ضد كوبا بتفاصيل مثيرة وكثيرة يمكن الرجوع إليها في موضعها التسامح والعدوانية بين الإسلام والغرب، طبعة مؤسسة الوقف، ص229-230].
وهذه الكتابات والاقتباسات تعبر عن شخصية الناقل لها حول اهتماماته الثقافية وسعة اطلاعه الفكري خارج قطره الجغرافي خدمة في الإثراء المعرفي للأمة والأجيال.
والمهم أن هذه الأعمال الإجرامية -على سبيل المثال- التي تمت بالفعل بهذه الصورة الماكرة على مستوى الدولة الأمريكية مع الدول الأخرى تم ما يماثلها مما لا يقل جناية عن ما سبق؛ حيث حدثت أحداث مشابهة بالفعل، لكن مع أفراد وهم كثير، وقد ساق الحصين نماذج وأمثلة من المكر والكيد والظلم بحق الأفراد كذلك تكشف عن قيم الغرب وانتهاكه لحقوق الإنسان وكرامته، وهو يدلل ويستنتج عن مدى ما وصل إليه الغرب المتعصب من الكراهية، وعدم العدالة، وتجاهل التسامح بنزعته للصراعات والحروب، بل وفشل تقنيناته وتشريعاته الدولية لما يسميه هذا الغرب بالتسامح والسلام وحقوق الإنسان! ومما قال عن هذا: «ويعتبر العاقل بالقضايا التي افتضحت في السنوات الأخيرة من ممارسات الغرب في "استعمال الآخرين" مثل: دور المخابرات الغربية في قضية الشابين اللبنانيين في ألمانيا عام 2006م، وقضية الشاب الصومالي محمد عثمان في بورتلاند أوريجن بأمريكا، في نوفمبر 2008م، وقضية الشاب الباكستاني "فردوس" في واشنطن في سبتمبر 2011م، وقد نشرت وكالات الأنباء والصحافة الغربية ذاتها تفاصيل هذه القضايا فيما يخص علاقة المخابرات الغربية بتهيئتها، وتمويلها، وتسهيل تنفيذها» [صالح الحصين: جهود الغرب في تحجيم البذل التطوعي الإسلامي؛ لماذا؟].
والحصين وهو يؤكد حقيقة المكر العالمي الكبار كرر في كثير من كتبه ومقالاته عن هذا الكيد، بل وأفرد موضوعات كاملة عن حقيقة بعض الأحداث العالمية والغربية بصورة خاصة، ومن ذلك -على سبيل المثال- مقالته عن (الحرب الأيديولوجية)، ومما قال في هذه المقالة: «بدأ إعلان هذه (الحرب الأيديولوجية) التي سميت فيما بعد (الحرب على الإرهاب)، وظهرت في صورتها الباردة والساخنة بتصريحات واضحة لا تحتمل التأويل من قبل عدد من السياسيين والعسكريين ورجال الفكر الغربيين وبعض اللجان الرسمية هناك، وذلك منذ ما يزيد عن عقدين من الزمن. فور انهيار الشيوعية اشتهر تصريح سكرتير حلف شمال الأطلسي ولي كلاس Willy Claes بحلول الإسلام محل الشيوعية عدوا للغرب (شرقيه وغربيه)، وبدأت تسمية الإسلام (العدو الأخضر) بعد أن غاب عن الوجود العدو الأحمر (الشيوعية)» [صالح الحصين: الحرب الأيديولوجية]، وهذا ما يراه الراصد العادي لمجريات كثير من الأحداث العالمية فضلاً عن التصريحات من أصحاب القرار السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال.
سيكولوجية تبديل العدو
الحصين وهو يكتب عن هذا المكر والكيد العالمي يسوق الأدلة والأقوال والتقارير من مصادر غربية محايدة، ومن ذلك قوله «جاء في مجلة ألمانية متخصصة في الدراسات الاستراتيجية: "في الحقيقة تبديل العدو بعدو آخر فكرة تبلورت في أشهر معدودة، إن الزحف العراقي على الكويت عجل في هذا الأمر، ولكن ذلك ليس هو السبب الأصل، فمع سقوط الدول الشيوعية بدأ حلف الناتو في البحث عن استراتيجية جديدة المسار (الاتجاه)... كان هنري كيسنجر خلال هذه الأزمة هو المتسلط الشرس، فأعلن في الربيع في مؤتمر غرف التجارة الدولية: (أن الإسلام العربي هو العدو الجديد أو العدو القادم)... البعض خفف اللهجة، لكن التوافق على ذلك حاصل"!.
ونقل الحصين عن الدكتور محمد السماك، ومما نقل عنه أنه "في منتدى الشؤون الأمنية الدولية في ميونخ عام 1991م، رفع ديك تشيني وزير الحرب الأمريكي في عهد بوش الأب شعار "الإسلام العدو البديل". وأنه في عام 1993م دعا رئيس مجلس النواب الأمريكي آن ذاك نيون جينجرتيش المجلس إلى وضع استراتيجية كاملة لمحاربة (التوليتارية الإسلامية)"» [صالح الحصين: الحرب الأيديولوجية].
كما أورد الحصين نقولات كثيرة غربية تثبت حجم المكر والكيد لتحقيق أجندات سياسية واستعمارية أصبحت مكشوفة فيما بعد، سواء تمت تسميتها بالمؤامرات أو الكيد العالمي أم لم تكن التسمية! ومن ذلك نقله عن مجلة لوموند دبلوماتيك بمقال مترجم لصحيفة الرياض بعنوان (أساطير أموال الإرهاب) وفيه قال: «وجاء في هذا المقال ما يأتي: الذي كشف مدى مصداقية الإدارة الأمريكية ليس فقط الأكاذيب حول أسلحة الدمار الشامل العراقية، بل أكثر من ذلك الأكاذيب حول تمويل الإرهاب، وفي الحالتين كان التلاعب دون حدود مع قصص مختلقة سخيفة، لدرجة أنه يمكن أن نتخيل أنها تأتي من بعض قصص الأطفال، ولكن اختلاقات واشنطن حول أموال الإرهاب مكنتها في الحقيقة من السيطرة بشكل أفضل على تحركات الرساميل العالمية» [صالح الحصين: الهيئات الخيرية السعودية بعد أحداث 11 سبتمبر... الآثار وسبل تجاوزها].
والحصين يكتب بمرارة وغيرة كيف وصل هذا المكر والكيد العالمي إلى تشويه مؤسسات العطاء الخيري وصرفها عن وظيفتها الخيرية والإنسانية، أو توقفها نتيجة اتهامها بدعم الإرهاب مكرا وكيدا -حسب النتائج القضائية الأمريكية وغيرها-، وعن هذا ودوافعه السيكولوجية قال: «ما الذي يدفع الغرب إلى السلوك الهمجي المناقض للأخلاق والقيم الإنسانية؟ ما الذي يحمله على الضغوط على بلدان الخليج لتمنع أبناءها من ممارسة حرية شخصية وحق إنساني في العمل الصالح الخالص النافع، تلك الحرية التي يمارس مثلها أي شخص في العالم، ولا تحجب عن أي مواطن في دولة ديموقراطية أو ديكتاتورية؟ لا شيء إلا مواجهة (غزو) الإسلام للقلوب والعقول. والغرب بغروره واستعلائه يعمى في هذا عن الحقيقة البسيطة أن غزو العقول والقلوب -في عصر الاتصالات التي أسقطت كثيرا من الحواجز- قوة لا تعتمد على أسلحة الدمار الشامل، وإنما على ما هو أقوى (قوة الأفكار العظيمة)» [صالح الحصين: جهود الغرب في تحجيم البذل التطوعي الإسلامي؛ لماذا؟].
والحصين بهذا ينبه إلى سر كثير من هذه الحروب على الإسلام والعالم الإسلامي بأنها منافسة الإسلام لأيديولوجيات الغرب والشرق في جاذبيته للعقول والقلوب؛ حيث الإسلام وحده دون سواه يمتلك (قوة الأفكار العظيمة).
وكما أن الحصين ساق تصريحات وتقارير وأقوالا تؤكد حقيقة المكر والكيد وأنها من سمات العلاقات الدولية المعاصرة لدول القوة في الحضارة الحديثة، فهي كذلك تكشف عن صناعة أحداث وحوادث للتبرير للعدوان، والمهم في هذا، أنه ختم مقالته كالمعتاد في كثير من كتاباته بالعزة والتفاؤل، وأهمية وعي الأمة بهذا المكر مهما كان اسمه، وذلك بقوله: «الغرب عاجز عن مواجهة الإسلام بالقوة المادية أو المعنوية، وعليه فإن فشل المسلمين وذهاب ريحهم إنما هو فقط باستجابتهم لمكر العدو، في التفريق والتنازع بينهم ودخول الوهن والخذلان في قلوبهم» [صالح الحصين: الحرب الأيديولوجية].
وما سبق يطرح التساؤل بعد التساؤل عن قيم العدالة والتسامح والحقوق وكرامة الإنسان في هذه الحضارة الحديثة.