بشرى فيصل السباعي

عبرة هامة من الجرائم العائلية

الاحد - 18 فبراير 2024

Sun - 18 Feb 2024


في جميع أنواع الجرائم بات من الأمور القياسية في الإعلام والصحافة العالمية عند تغطية أخبارها مراجعة حسابات الجناة في مواقع التواصل للتعرف على خلفياتهم وشخصياتهم، وبالنسبة للجرائم العائلية بشكل خاص غالبا حسابات الجناة المتورطين في سوء المعاملة لدرجة الإجرام بحق الأهل تعكس حياة عائلية مثالية سعيدة من النوع الذي يحسدهم الناس عليه وحتى أن بعضهم كانوا يقدمون النصائح عن الحياة السعيدة والمعاملة المثالية للأهل، لكن التحقيقات تكشف أنه كان وراء صور الحياة السعيدة المثالية في مواقع التواصل واقع تعيس ومأساوي.

هذه عبرة بالغة الأهمية بخاصة بالنسبة لمن يشعرون بالنقمة؛ لأنهم يرون حياة الآخرين في مواقع التواصل تبدو سعيدة ومثالية مما يشعرهم بالاستياء تجاه حياتهم العادية والتي قد تكون فعليا أسعد من حياة أصحاب حسابات الحياة المثالية السعيدة بمواقع التواصل، ثم لا أحد حياته كلها سعادة ومثالية كما توحي بذلك صور ومقاطع حسابات مواقع التواصل، فالكل يعانون من كل أنواع الظروف غير السعيدة وغير المثالية، ولا أدل على ذلك من انتحار النجوم والمشاهير وهم في أوج نجاحهم وشهرتهم وكل صورهم في مواقع التواصل تبدو تجسيدا للسعادة المثالية، لكن انتحارهم فضح حقيقة أنها كانت تزييفا للحقيقة والواقع، لكن لا أحد يأخذ العظة والعبرة من أخبار الجرائم العائلية والانتحار.

كثيرون سبب مشاكلهم العائلية وحتى طلاقهم كان مقارنة أنفسهم وأحوالهم بما يرونه في حسابات مواقع التواصل والشاشات، وكثير من المراهقين سبب سوء أخلاقهم ومعاملتهم مع الوالدين وتعاستهم واكتئابهم أنهم يقارنون أنفسهم وحياتهم بتلك الحياة الزائفة التي لمشاهير مواقع التواصل، ولذا بعض مشاهير مواقع التواصل كشفوا عن حقيقة الزيف في الصورة المثالية الجذابة التي يقدمونها عن أنفسهم ابتداء من أشكالهم فظهروا بدون مكياج ولا فلاتر ولا تعديلات في الصور لأجل إقناع المتابعين أنه لا أحد في الأحوال العادية يبدو بالجمال والمثالية والكمال الذي يبدون عليه بسبب المكياج المحترف والفلاتر والتعديل في الصور.

استيعاب هذه الحقيقة هام لمن يعانون من تقييم سلبي للذات والذي يدفعهم لإدمان عمليات التجميل التي لا تخلو من المخاطر، وكثيرون شوهتهم عمليات التجميل وجعلت أشكالهم تبدو غير طبيعية وأفقدتهم وظائف هامة مثل القدرة على الشم وإغلاق العينين.

مقارنة النفس بصور مواقع التواصل وما ينتج عنها من تقييم سلبي للذات هي أيضا سبب رئيس في أذية المراهقين لأنفسهم والنحافة المرضية والاكتئاب، وأيضا الأزواج الذين يقارنون زوجاتهم بالشهيرات ويكون هذا من عوامل عدم الرضا والنفور وسوء المعاملة والطلاق، وبعض المشاهير صرحوا بأن صورهم ومقاطعهم التي فيها استعراض بالبذخ كمقاطع السياحة الخارجية مدفوعة الثمن من قبل المعلنين والرعاة ولا تمثل مستواهم المادي الحقيقي.

مطالعة مثل هذه التصريحات هام لمعالجة التعاسة التي تنتج عن مقارنة النفس بالآخرين، بالإضافة إلى اتباع النصيحة النبوية بأن ينظر الإنسان إلى من هم أقل منه في الإمكانيات والظروف المادية لكي يقدر النعم التي يمتلكها ويتولد لديه الامتنان لله وللخلق عليها، والامتنان ينتج عنه زيادة الشعور بالسعادة كما يقول المثل الإنجليزي «أسوأ يوم تعيشه هو حلم بالنسبة للكثيرين» أي إنه حتى في أتعس يوم يمر به الإنسان يكون مغمورا بالنعم التي يتمناها الكثيرون مثل نعمة الأمان من الحروب والكهرباء والماء وأهل يأنس بهم، والأفضل ألا يتابع الإنسان الحسابات القائمة على الاستعراض بالبذخ والثروة وكل ما يولد لدى الإنسان الشعور بالنقمة والحسد وعدم الرضا عن حياته.