ياسر عمر سندي

إكرام اللسان دفنه

الأربعاء - 14 فبراير 2024

Wed - 14 Feb 2024

شخصياتنا يعتريها الضعف رغم قوة البناء الجسدي والتركيبة العضلية إلا أننا معرضون للهرم والانتكاس والأمراض التي تكشف ذلك الغطاء الهش المغلف بالضعف؛ سوى تلك العضلة الوحيدة التي تستمر في قوتها وأثرها وتأثيرها على الإنسان وهي اللسان؛ لذلك يقال في العامية إن الإنسان ماعنده غير اللسان كناية عن قوة اللسان إما بتسخيره للخير أو الشر؛ ويقال أحيانا إن اللسان ليس في تركيبته العظام لكنه يكسر بسطوته العظام.

استخدام الإنسان لهذه العضلة يجعله مسؤولا كاملا عما ينطق به؛ وكما هي القاعدة النفسية في مؤداها بأن «سقطات اللسان تعكس ما بداخل الإنسان»؛ فاللسان هو أساس كرامة الإنسان؛ لأنه المتحدث الرسمي لمنظومة التفكير من خلال ما يسمى في علم النفس المعرفي بالتداعي الحر أي مخرجات العقل من أفكار عشوائية ومواضيع سردية ينتج عنها إما حفظ الشخص للسانه أو إطلاقه وهنا يكمن الكلام الإيجابي أو السلبي للطرف المتلقي؛ قال تعالى «إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه» «10 سورة فاطر»؛ وعلى العكس من ذلك قوله تعالى «ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة» «26 سورة إبراهيم».

فطيب الكلام يصعد قبل ارتفاع العمل الصالح؛ وخبيث الكلام جذوره المهترئة في الأرض العدام.

مما لا شك فيه فإن العوامل التربوية النظرية والتطبيقية بالنمذجة السلوكية قولا وفعلا تتأثر من المؤسسة الوالدية الأم والأب فيتدخلان بطريقة مباشرة وغير مباشرة بالتأسيس والترويض على حسن الكلام وانتقاء المفردات وطريقة التعبير التي يتم إسقاطها على الغير.

جبر الخواطر مجاملة وجدانية أساسها السلوك اللفظي والمنطوق الشفهي؛ فهنالك خيط رفيع بين الصراحة والوقاحة؛ وللأسف أصبحنا نرى من تصرفات البعض تبنيهم لمفهوم الصراحة المنفرة التي تؤذي المشاعر وتؤلم القلوب والتي يرفضها الناقد على نفسه إذا وقعت عليه؛ ونشاهد ذلك السلوك المؤذي جليا في المناسبات بحضور من يدعي الوضوح في كلامه ورأيه بتجرده من قيمة المجاملة متناسيا إكرام المضيف لضيفه وحفاوته به والذي يتوقع منه التقدير على صنيعه؛ فيتفاجأ بكلامه الجارح وأسلوبه الطارح؛ والطامة الكبرى أن ينتقص الناقد من نعمة الطعام وجودته ومقاديره ونوعيته وكميته وشكله ورائحته؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط، كان إذا اشتهى شيئا أكله وإن كرهه تركه».

الدين المعاملة بل الدين في أساسه المجاملة؛ وهو ما يسمى الذكاء العاطفي؛ ما المانع أن نجامل بعضنا البعض ونحتسب بذلك عبادة جبر الخواطر التي كان يستخدمها صاحب الذوق الرفيع وسيد الخلق البديع عليه الصلاة والسلام في مجاملته لمن حوله باعتبارها أرقى العبادات المؤثرة في الطرفين ليكسب المجامل الأجر ويترك على المتلقي الأثر.

نصيحة.. إن استطعت أن تحيي الناس فأكرمهم بلسانك أو أكرمه بدفنه بين أسنانك.

Yos123Omar@