عمر العمري

ما زالت الجامعات لدينا تعمل بنظام المدرسة

الثلاثاء - 13 فبراير 2024

Tue - 13 Feb 2024

التعليم الجامعي أصبح يواجه تحديات أكثر إلحاحا في كل أنحاء العالم مع بداية هذا العام الجديد، وما زالت الجامعات لدينا غير واعية للكثير من التغيرات والمستجدات التي تهدد منظومة التعليم العالي بمعادلة بسيطة، وهي مدى الاستفادة من استثمار هذه الكوادر البشرية (المخرجات) والعائد الاقتصادي والتنموي مقابل هذا الإنفاق الكبير على التعليم الجامعي، في ظل أصبح سوق العمل يبحث عن القدرات والمهارات مقابل الشهادات، وظهور أنماط مختلفة من التعليم أكثر مرونة وتركيزا ويحقق الهدف بشكل أكثر كفاءة ودقة أمام هذا التعليم الجماعي التقليدي النمطي بصورته الحالية.

متى تختفي هذه الجمل الكئيبة من حياتنا: (انتهت فترة التقديم، لا يوجد مقاعد متاحة، كم النسبة الموزونة (القدرات والتحصيلي)؟، لا يحق لك أن تلتحق بهذا التخصص، لا يوجد التخصص الذي ذكرته، لا يمكنك أن تكمل دراستك الجامعية)؟

ما زالت الجامعات لدينا تعمل بمنظور المدرسة؛ القبول بداية العام لفترة محدودة وينتهي، محدودية المقاعد، متجاهلة كل هذا التقدم والتطور التقني وسرعة الاتصالات والتعليم المدمج، ما زالت التخصصات النظرية لدينا تقود الموقف وتقبل أعدادا كبيرة من الطلاب مما يزيد من المعضلة الأزلية وحجم فجوة المخرجات والمهارات مع سوق العمل، لا جديد في التخصصات والبرامج، مشكلات الدراسات العليا والأبحاث التي لا تخدم الأولويات الوطنية أو إيجاد حلول للكثير من المشكلات التي يعاني منها المجتمع ومؤسساته المدنية في ظل محدودية القبول رغم أنها برسوم دراسية، انخفاض معدلات الاحتفاظ بالموظفين بسبب قلة الحوافز وجودة بيئة العمل.

الجامعات للأسف أغرقت نفسها بكثرة اللوائح والأنظمة والأدلة الإجرائية والتفسيرية التي كبلتها وأفقدتها المرونة اللازمة وأصبحت عمياء جامدة أمام متطلبات واحتياجات المجتمع المتغيرة والمستجدة والمتسارعة في نفس الوقت، بالإضافة إلى الهياكل الإدارية المعقدة والمترهلة والتي على كثرة التحسينات والتقليصات واستخدام مصطلح (أرشفت الجامعات) إلا أنه لا جديد في البيروقراطية؛ وكان الأمل في استخدام التقنية مع كثرة الدعوات تحت شعار(لا للخطابات الورقية) وأن هذا سيكون فتحا مبينا جديد في عالم الإدارة والتيسير على الناس، فأمورهم باستخدام هذه التقنية والتقديم الالكتروني لكل الخدمات، إلا أنه أصبح الوضع أكثر تعقيدا وأصبح هناك حواجز جديدة، وخرجت هناك مصطلحات فيها تذاك.. (النظام لم يقبلك) وكأن هذا النظام التقني داخل هذه الأجهزة المحوسبة هو المتحكم والمتصرف في شؤون الناس وفي معزل عن البشر، وسؤالي هنا: ما فائدة هذا الكادر الإداري الضخم جدا من أعضاء هيئة التدريس وغيرهم إذا لم يسمعوا للناس وييسروا أمورهم ويسهلوا لهم الخدمات الجامعية والتعليمية وإكمال دراستهم؟

أبناؤنا الطلاب يشاهدون قرارات مجلس شؤون الجامعات كتغريدات في (X) تويتر سابقا ولا يرون انعكاسا لها على واقع الجامعات الحالي لا من حيث أعداد وشمولية القبول ولا من حيث نقاط الخروج المبكرة في برامج البكالوريوس لمن تعثر ليتمكنوا من الحصول على درجة الدبلوم أو الشهادة الجامعية المتوسطة فيما أنجزه من مقررات وفصول دراسية، ولا (برامج التجسير) التي أعلن عنها وحتى الآن لم تر النور لمن أراد أن يكمل شهادته الجامعية، أو الدراسة في أكثر من تخصص أسوة بالجامعات العالمية، وإن وجد شيء مما ذكر أعلاه اصطدم بكم هائل من اللوائح والأنظمة التي لن تنطبق عليه مهما حصل، بمعنى آخر (لا نشوف وجهك)، بالإضافة إلى هذه الخطط الدراسية القديمة والمتضخمة بوحدات كبيرة تفوق (180) وحدة دراسية وربما أكثر لا يخدم التخصص الدقيق منها ولا 50% من مجموعها، والباقي متطلبات عامة ليس مكانها التعليم الجامعي، وهذه مشكلة كبيرة تشعر الطلاب بالملل من دراستهم في هذه البرامج الجامعية وتفقدهم التركيز ومستوى درجة المهنية والكفاءة، والتي على الأغلب منسوخة ومكررة في كل الجامعات، وأوجدت لديهم ترددا في الثقة في أن تؤهلهم بكل جدارة وتنافسية لمهن المستقبل وسوق العمل الذي بكل تأكيد يوما عن يوم يرتفع فيه سقف التوقعات والمهارات المطلوبة ككوادر وطنية لها كل الحق في إدارته وقيادته ولكل فرد منها في تحقيق طموحه الوظيفي والاجتماعي، وأن يسهم في عجلة تنمية هذا الوطن الذي أصبح يتسارع اقتصاديا وتقنيا وسياحيا بصورة تفوق الوصف وبحاجة إلى كوادر قادرة على مواكبة نوعية وتنوع هذه الوظائف الآن وفي المستقبل.

أنا وصلت إلى قناعة أن التغيير والتطوير لن يأتيا من داخل الجامعات مهما كان الادعاء والتوجه إلى أن الجامعات مستقلة وقادرة على ذلك، وأن كل جامعة مسؤولة عن نفسها وتميزها؛ كيف؟ وهي ما زالت تعمل الآن بآراء فردية واجتهادات ذاتية من مسؤولين مجتهدين لكنهم ما زالوا يشغلون أوقاتهم في التركيز على اللقاءات والمؤتمرات التي لا تهم الطالب أو تختص بمجال علمي محدد ولا تهم أعضاء التدريس وبحوثهم أو دراساتهم ولا تسهم بالنفع في تقدم المجالات العلمية التي لديها، بل أصحبت بعض المؤتمرات واللقاءات ساحات للتكريم والمحتوى الإعلامي دون مردود حقيقي علمي على الطالب أو منسوبيها.

لا بد أن يكون هناك لجان من جهات عليا واعية ومدركة ومطلعة بصلاحيات كبيرة لتسريع عمليات التغيير والتطوير في ظل ما ستكون عليه المملكة هذا الوطن الكبير في السنوات القليلة القادمة في مجالات الاقتصاد والسياسة والصحة والصناعة أو السياحة والرياضة وصناعة الترفيه والإعلام والسنيما والثقافة وغيرها، والجميع يشاهد في العالم هذه المشاريع العملاقة والمناسبات العالمية التي ستستضيفها المملكة مثل (إكسبو 2030) وغيرها، بل وأصبحت المملكة نقطة جذب عالمية ومحط أنظار وتطلع العالم أجمع.

الوضع الراهن لا يحتمل الانتظار أو التأخير على حساب أبنائنا في أن يكونوا قادرين مهارة وكفاءة في قيادة وإدارة واحتواء هذا التنوع الكبير والنوعية المهنية من الوظائف والسؤال الحقيقي: هل الجامعات مدركة أو لديها استقراء لنوعية وتنوع هذه الوظائف، وبالتالي ما هي المهارات والقدرات التي يحتاجها أبناؤنا ويجب أن تنعكس على البرامج الجامعية لديها لكي يكونوا قادرين ومنافسين على هذه الوظائف في المستقبل القريب؟

3OMRAL3MRI@